أجمع مختصون على أن الاهتمام بكبار السن في المملكة لم يعد خياراً يمكن تأجيله، بل تحول إلى ضرورة وطنية حتمية، تفرضها التحولات الديموغرافية والاجتماعية العميقة التي تشهدها البلاد.
وأوضحوا في حديثهم ل”اليوم”بمناسبة اليوم العالمي لكبار السن أن رعاية هذه الفئة، التي تمثل ذخيرة من الحكمة والخبرة الإنسانية، هي استثمار مباشر في النسيج الاجتماعي، ويتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030 الطموحة لضمان حياة كريمة لجميع المواطنين.
قالت هدى عبدالعزيز النعيم - خبير مختص في سياسات وتشريعات كبار السن - إن التغيرات الديموغرافية أظهرت أن الاهتمام بكبار السن يمثل أولوية متزايدة، حيث يشكل توفير بيئة داعمة من خلال السياسات الحكومية والتشريعات التي تحمي حقوقهم وتطوير خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية ركيزة أساسية لضمان كرامتهم ورفاههم.
وأشارت إلى الحاجة الملحة لتعزيز الوعي المجتمعي وتكثيف الجهود التنموية لتحسين جودة حياتهم، مؤكدة أن هذه الفئة تمثل ذخراً إنسانياً ومصدراً للحكمة والخبرة.
استراتيجيات وطنية :
أضافت النعيم أن التزايد في نسب كبار السن نتيجة تحسن الرعاية الصحية وانخفاض الخصوبة رفع متوسط العمر إلى 75 عاماً للذكور و77 عاماً للإناث، ما يستدعي إعداد استراتيجيات وطنية طموحة لضمان حياة كريمة لهم.
وأوضحت أن بعض كبار السن باتوا يعيشون بمفردهم أو يعتمدون على العمالة، مما زاد من شعورهم بالوحدة والملل، إلا أن المبادرات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني وفرت أنشطة اجتماعية ومبادرات تحفز مشاركتهم.
أبرز التحديات :
أوضحت النعيم أن أبرز التحديات الصحية التي يواجهونها هي الأمراض المزمنة مثل السكري وضغط الدم وأمراض القلب وهشاشة العظام، إضافة إلى الاكتئاب والقلق، مؤكدة أهمية الرعاية طويلة الأمد والدعم النفسي.
وأشارت إلى أن وزارة الصحة وفرت برامج للرعاية الصحية المنزلية تغطي 120 قرية وتخدم 50 ألف كبير سن سنوياً عبر الطب الاتصالي، إضافة إلى إنشاء مراكز رعاية نهارية لتعزيز مفهوم الشيخوخة النشطة.
فحوصات دورية :
قال د. عمار بالطيور، طبيب أسرة في تجمع الشرقية الصحي وباحث دكتوراه في الرعاية الوقائية، إن كبار السن يواجهون أمراضاً مزمنة مثل السكري وأمراض القلب والخرف والاكتئاب وضعف الحركة.
وبين أن المملكة ركزت على الكشف المبكر عبر الفحوصات الدورية التي تغطي 85% من كبار السن فوق 65 عاماً، إضافة إلى تشجيع النشاط البدني والتغذية السليمة وإدارة الأدوية لتفادي التعارضات.
برامج توعوية :
أوضح بالطيور أن الأسرة تمثل الدرع الحصين في تقديم الدعم النفسي والعاطفي، بينما يساهم المجتمع عبر المؤسسات غير الربحية مثل جمعية “وقار”في تقديم برامج مساندة وتوعوية، وترسيخ القيم الإسلامية والوطنية التي تحث على توقير الكبار.
وأضاف أن البرامج الوقائية تمثل حجر الزاوية في تحسين جودة الحياة عبر الاكتشاف المبكر للأمراض والسيطرة عليها، بما يقلل الحاجة لدخول المستشفيات، مؤكداً أن المملكة أولت اهتماماً استثنائياً بكبار السن البالغ عددهم 2,2 مليون نسمة من خلال البرنامج الوطني، وتوسيع خدمات الرعاية المنزلية، ورفع مخصصات الضمان بنسبة 20%، وتوزيع 30 ألف جهاز مساعد خلال العامين الماضيين.
شراكة مجتمعية :
أوصى بالطيور بمواصلة التوسع في الرعاية المنزلية والطب الاتصالي، والاستثمار في الكوادر البشرية المتخصصة في طب الشيخوخة، وتعزيز الشراكة المجتمعية وتكثيف الحملات التوعوية.
وقال الدكتور سلطان العمري، أستاذ واستشاري طب وأمراض الشيخوخة بكلية الطب جامعة الملك عبدالعزيز، إن أبرز التحديات الصحية التي يواجهها كبار السن تشمل الأمراض المزمنة ومتلازمات الشيخوخة مثل الوهن والسقوط والاكتئاب والخرف والتعددية الدوائية.
وأوضح أن أسلوب الحياة الصحي، الذي يشمل النشاط البدني والغذاء المتوازن والمتابعة الطبية، يمثل الحل الأمثل لمقاومة هذه التحديات.
ركيزة أساسية :
أضاف العمري أن الدعم النفسي والاجتماعي يمثل ركيزة أساسية، فالأسرة تمنح كبار السن الأمان العاطفي، فيما يكمل المجتمع هذا الدور عبر المراكز النهارية والأنشطة الثقافية والترفيهية.
وأشار إلى أن الفحوصات الوقائية المنتظمة تمثل خط الدفاع الأول للكشف عن الأمراض المزمنة والأورام وهشاشة العظام، إضافة إلى التقييم النفسي والوظيفي، مؤكداً أهمية التطعيمات والنشاط البدني في تقليل العدوى ومخاطر السقوط.
مرسوم ملكي :
لفت العمري إلى أن نظام حقوق كبير السن ورعايته الصادر بموجب مرسوم ملكي عام 1443هـ يمثل إطاراً قانونياً يحمي حقوقهم، مشيراً إلى مبادرات مثل المستشفيات الصديقة لكبار السن، وبطاقة امتياز، وخدمة تقدير.
وأوصى بالاستمرار في التنسيق بين القطاعات الصحية والاجتماعية، وتوسيع برامج تدريب الكوادر، ودعم مقدمي الرعاية الأسرية بالإرشاد النفسي، مؤكداً أن هذه الجهود المتكاملة تضمن حياة كريمة تليق بمكانة كبار السن في المجتمع.
|