تعدَّدت نظريات تفسير حدوث السرطان، وقد شرحتُها بالتفصيل في كتابي «المدخل إلى علم الأجنَّة الوصفيِّ والتجريبيِّ»، وأذكرُ هنا آخر نظريَّة يفسر فيها عودة السرطان بعد الشفاء منه، أو ما يُعرف بتكرار السرطان، لا بُدَّ أنْ نذكر أنَّ البحوث الطبيَّة تشير مبدئيًّا إلى أنَّ هناك عدَّة أسباب لعودة السرطان، وليس سببًا واحدًا، كما تذكر النظريَّة، منها أنه أساسًا أثناء العلاج لم يتم القضاء على جميع الخلايا السرطانيَّة، سواء كان العلاج جراحيًّا، أو إشعاعيًّاـ أو كيميائيًّا، أو أنَّ هناك انتشارًا مبكِّرًا غير موضعيٍّ لا تظهر آثاره إلَّا متأخِّرًا، وتشير بعض الأبحاث إلى أنَّ هناك خلايا سرطانيَّة نائمة، وهذه -فيما أظنُّ- هي المقصودة في نظريَّة الخلايا الجذعيَّة السرطانيَّة، وهي عند إزالة السرطان بالكامل، تبقى له جذور من خلايا تُعرف بالخلايا الجذعيَّة السرطانيَّة، تنشط وتبدأ تتمايز إلى خلايا سرطانيَّة تمامًا تشبه عمليَّة إزالة أي نبات له جذور، فعند إزالتها من السطح، وتبقى جذوره في الأرض، يعود للإنبات مرَّة أُخْرى، ويتجدَّد ظهوره، وهذا ما يحدث تمامًا في بعض أنواع السرطانات، فعند إزالته جراحيًّا، أو القضاء عليه كيميائيًّا، أو إشعاعيًّا، فإنَّ جذوره المتمثِّلة في الخلايا الجذعيَّة السرطانيَّة تكون مصدرًا لتكاثره، ونمو خلاياه من جديد، حيث هي مقاومة للدَّواء والإشعاع، ومن هنا جاءت فكرة الأبحاث الجديدة في التركيز على كشف أدوية تركِّز على القضاء على الخلايا الجذعيَّة السرطانيَّة التي لا تطالها أدوية معالجة الخلايا السرطانيَّة.

وقد أشارت بعض بحوثنا، التي تمَّ نشرها من جامعة الملك عبدالعزيز، إلى تلك الخلايا الجذعيَّة السرطانيَّة المقاومة للأدوية والعلاج، ولعلَّ بعضًا من المراكز البحثيَّة العالميَّة اليوم، تركِّز على ضرورة إيجاد أدوية للقضاء على الخلايا الجذعيَّة السرطانيَّة.

وهناك سؤال: لماذا عند اكتشاف السرطان مبكِّرًا، والقضاء عليه، لا يعود مرَّة أُخْرى، بعكس المرحلة المتأخِّرة؟ والجواب : أنَّ جذوره في المرحلة المبكرة سطحية، يتم القضاء عليها تمامًا، بعكس المرحلة المتأخرة تكون جذوره غاصت أكثر في النسيج الخلوي، كما في حال النبات تمامًا فلا تطالها يد الجرَّاح، وغالبًا ما يتبقى منها شيء بسيط خاصَّةً أنَّ الخلايا الجذعيَّة السرطانيَّة تنقسم وتتكاثر بشكل سريع ومكثَّف، ولو من عدد بسيط جدًّا من الخلايا.

الخلايا الجذعيَّة السرطانيَّة لغز - إلى الآن - لم تُفك رموزه، ولا شفرته.

أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم