الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :القصة الكاملة لتأسيس الدولة السعودية
الجهة المعنية :كلية الآداب والعلوم الإنسانية
المصدر : جريدة المدينة
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 02/08/1444
نص الخبر :

في منبر التاريخ وفي رحاب المؤرخين والمختصين وفي ظلال مناسبة وطنية غالية لازلنا نغوص في أعماق المفاهيم والمضامين التي يكتنزها «يوم التأسيس» لنستقرئ بعضًا مما حوته هذه الكنوز، نأخذ مستهدفات المناسبة ثم نتجاوزها إلى ذلك العمق التاريخي للتأسيس بكل معطياته وأحداثه ودلالاته.

 

جذور تأسيس إمارة الدرعية

د. منال بنت عواد المريطب أستاذ التاريخ السعودي بجامعة الملك عبدالعزيز تأخذنا إلى جذور تأسيس إمارة الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولي ومنطلق الوحدة واللحمة الوطنية، فتشير إلى أن عشيرة «المردة» من «الدروع» من بني حنيفة انتقلت من وسط الجزيرة العربية في القرن الرابع الهجري إلى المنطقة الشرقية نتيجة للفوضى وعدم الاستقرار السياسي، وأسسوا لهم مدينة شرقي الجزيرة العربية على ساحل الخليج العربي، أطلقوا عليها اسم «الدرعية» نسبة إليهم، وبعد استقرار الأمور في نجد عادت فروع منها إليها، ومن هولاء كان جد أسرة آل سعود وهو مانع بن ربيعة المريدي الحنفي الذي قدم تلبية لدعوة ابن عمه حاكم مدينة حجر في اليمامة ابن درع فقدم مانع المريدي بعشيرته لنجد حيث أقطعه قريبه قريتين في وادي حنيفة تسمى الملبيد وغصيبة أسس عليها مانع المريدي مدينة الدرعية عام ٨٥٠هـ/١٤٤٦م، ومانع هو الجد الثالث عشر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله.

الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى

وتضيف الدكتورة المريطيب: إن مدينة الدرعية تمتاز بموقع جغرافي وإستراتيجي عميق، فهي تقع على وادي جنيفة الذي يمتاز بخصوبته ووفرة المياه فيه، علاوة على أنها تتوسط طرق التجارة المارة من شمال وجنوب الجزرية العربية ذهابًا وإيابًا وهي أشهر الطرق التجارية آنذاك.

وبحكم موقعها المتوسط تمر بالدرعية عدد من قوافل الحج القادم من فارس والعراق وغيرها، ولعل قوة وازدهار الدولة السعودية ساهمت في تحقيق الأمن والأمان للقوافل المارة بمناطق نفوذها سواء من قوافل الحج أو التجارة حيث أصبحت الدرعية بفضل قادتها مركزًا للأمن ومنارة للاستقرار.

مؤسس الدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود:

وأضافت أيضًا: ازدهرت الدرعية وتطورت وتوالى على حكمها أبناء وأحفاد مانع المريدي، حتى وصل الحكم للإمام محمد بن سعود بن مقرن عام ١١٣٩هـ/١٧٢٧م وهو مؤسس الدولة السعودية الأولى. امتاز الإمام محمد بن سعود بالشجاعة والعدل، وكان مستقلاً في حكمه، قويًا في قيادته فلم يخضع لأي قوة سياسية خارجية كحال بعض البلدان النجدية التي كان معظمها يدين بالولاء لزعماء الأحساء، أما الدرعية خلال حكم الإمام محمد بن سعود فقد امتازت بالقوة والاستقلال التام دون الخضوع لأي قوى أجنبية، بل إنها كثيرًا ما كانت تقدم الدعم والنجدة لكل من يستنجد بها من الإمارات والأقليم المجاورة، للمساعدة في استقرار أحوالهم الداخلية.

كان الإمام محمد بن سعود وفيًا لحلفائه ملتزمًا بعهوده، لا ينقض عهدًا قطعه حتى لخصومه، واستمرت الدولة السعودية على هذ النهج في عهد أبنائه وأحفاده من بعده فكانت ملجأً لكل مستجير وموئلاً لكل لاجئ.

التنظيمات السياسية والإدارية في إمارة الدرعية:

وتطرقت المؤرخة الدكتورة المريطب إلى الجوانب التنظيمية فقالت: امتازت الدولة السعودية بالتنظيم الإداري والسياسي، ونجحت في ضم معظم مناطق شبه الجزيرة العربية فامتدت من مياه الخليج العربي شرقًا إلى البحر الأحمر غربًا وحققت وحدة وطنية ومنظومة سياسية متكاملة لم تتحققق إلا في العصور الإسلامية المبكرة، وعاشت الجزيرة العربية في واحة أمان ممتدة الأرجاء وقد سطرت الليدي آن بلنت الرحالة الإنجليزية مشاهدها عن الدولة السعودية الأولى فقالت: «إنها أول دولة عربية، تنشأ بعد عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتوحد تحت رايتها جزيرة العرب على أساس من الشرع والتنظيم الإداري -».

و كان الحاكم السعودي من أولي مهامه الحرص على استتباب الأمن وتطبيق الشريعة الإسلامية والمحافظة علي وحدة الصف واللحمة الوطنية، ولا شك أن مبدأ الشورى كان من قواعد الإدارة في عهد الدولة السعودية الأولى فكثيرًا ما كان الإمام السعودي يستشير أعوانه ورجاله المخلصين في شؤون الإدارة والحكم.

التنظيمات العسكرية

اما التنظيمات العسكرية فقد برع رجال الدولة السعودية بمهارات حربية عالية واتبع قادة الدولة السعودية إستراتيجيات عسكرية مميزة كفلت لهم تحقيق الانتصار في معظم مواجهتهم الحربية من ذلك سرعة حركة الجيوش وسرية العمليات الحربية وتضليل الخصوم، وبناء القلاع والحصون حول المدن التي تطول مقاومتها.

الجدير بالذكر أنه في عهد الدولة السعودية الأولى أنشئت فرقة عسكرية خاصة سميت «المنقية» تتكون من أشجع رجال الدولة وكلمة المنقية تعني أنها فرقة تم انتقاء واختيار أفرادها بعناية وكان عدد هذه الفرقة 300 مقاتل تم تزويدهها بأفضل الأسلحة والعتاد لتكون قوة دعم إضافية للقوات الحربية علاوة علي حماية ثغور وحدود البلاد، وتعد فرقة المنقية اسمًا بارزاً في تاريخ الدولة السعودية العسكري ودليلاً على التنظيم الكبير لتلك الدولة واهتمامها بالتفاصيل الدقيقة في حماية أراضيها ومواطنيها.

الموارد الاقتصادية التي اعتمدتها الدولة السعودية عند تأسيسها

واختتمت الدكتورة منال المريطب حديثها عن الأوصاع الاقتصادية فأشارت إلى: أن الأوضاع الاقتصادية ازدهرت في عهد الدولة السعودية الأولى، ونطرًا لاتساع مساحتها الجغرافية فقد تنوعت مصادر الدخل فيها وامتازت بالوفرة والغزارة.

ومن مصادر الدخل الاقتصادي العوائد المالية التي أضيفت لخزينة الدولة من النشاط التجاري، والزراعي، والصيد والرعي وغيرها، وقد فاقت مصادر الدخل أوجه الإنفاق بدرجة كبيرة، إذ كانت أوجه الإنفاق بسيطة لمواكبة المتطلبات المتواضعة في ذلك العصر، لذلك يمكن القول بأن الدولة السعودية الأولى كانت غنية وذات دخل اقتصادي جيد، واستطاع قادتها وأهلها أن ينعموا بحياة الرخاء والاستقرار المتناسبة مع ظروفهم الاجتماعية في تلك الفترة والتي ظهرت ملامحها في الحياة الاجتماعية والعمرانية.

التأصيل التاريخي

من جهته اوضح أ.د. إبراهيم عطية الله السلمي رئيس قسم التاريخ جامعة أم القرى التأصيل التاريخي للدولة السعودية بقوله:

التأصيل التاريخي يؤكد أن الدولة السعودية مقترنة بالأمير محمد بن سعود، وذلك عبر عدد من الحوادث التاريخية:

أن الأمير محمد بن سعود هو أساس التواجد السياسي، فهو حاكم الدرعية منذ عام 1139هـ بعد أن بايعه أهل الدرعية بالرئاسة لوفاة الأمير زيد بن وطبان بن مرخان، في صورة وكأنه يستعيد إمارة والده المتوفى سنة 1137هـ.

تمكن الأمير محمد بن سعود وهو في مطلع الثلاثين من عمره من إرساء حكمه في ظل وجود منافسين أقوياء كأمراء العيينة والرياض، وحكام الأحساء.

قوة الكيان السياسي لدولة الأمير محمد بن سعود والتحول في الحكم من الإمارة السياسية الى الدولة الشاملة ذات النفوذ المتعدد.

40 عامًا من الكفاح والتأسيس

وأضاف الدكتور السلمي: ما إن حل عام 1139هـ/ 1727م حتى نهض الأمير محمد بن سعود بمرحلة كفاح جديدة، نقل بها الدرعية من مرحلة مدينة الدولة إلى مرحلة الدولة، التي تعارف المؤرخون بتسميتها الدولة السعودية الأولى، نعم كان كفاحاً جديداً استثنائياً، فقد كانت الدرعية تعاني من الضعف والانقسام، ومن نزاع داخلي بين الأمير مقرن بن محمد والأمير زيد بن مرخان، الذي توفي في معركة بين إمارتي الدرعية والعيينة، كما كان للطاعون دور آخر في إثقال كاهل الزمن بانتشاره في تلك الفترة بالجزيرة العربية.

ولكن هنا حضرت الرؤية الثاقبة، والشجاعة المتزنة، المتمثلة في شخص الأمير محمد بن سعود، فوحد الدرعية، وأمن المنطقة، وأحسن التعامل مع الإمارات المجاورة والعشائر المتنقلة، ليس ذلك فحسب بل أسس لمسار حضاري مغاير لما كان في وسط الجزيرة العربية بعنايته بالعلم والثقافة، كما عزز التواصل الاجتماعي؛ مما أسهم في الوحدة واستتباب الأمن بشكل جلي.

وفي أربعين عاماً أثمر كفاح الأمير محمد بن سعود في صور متعددة، منها: الاستقلال السياسي للدولة وعدم التبعية لأي قوة سياسية، التنظيم السياسي والاقتصادي للدولة، العناية بأفراد المجتمع والعمل على وحدتهم، احتواء البلدات المجاورة وضمها للدولة، نصرة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، التصدي لكافة المحاولات لإسقاط الدولة السعودية.


 
إطبع هذه الصفحة