الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :العيص بين الزلازل والبراكين
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة المدينة
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 28/05/1430
نص الخبر :
السبت, 23 مايو 2009
د. محمود إبراهيم الدوعان

ازداد الأمر تعقيدًا، وأصبح الوضع محيّرًا حول الهزات الأرضية التي ضربت -وما زالت تضرب- منطقة العيص، التي تقع على بعد 150 كيلاً شمال مدينة ينبع البحر بمنطقة المدينة المنورة، وهي هزات زلزالية ضعيفة لم يتجاوز معظمها (3,6) على مقياس ريختر، ولكن الضربات الأخيرة وصلت في يوم الثلاثاء 19 مايو 2009م، شدتها إلى ( 5,39)، ممّا رفع درجة الخوف من العواقب التي قد تنتج من انهيارات للمنازل، أو مصاحبة ثورانات بركانية لهذه الزلازل، لاسيما وأن المنطقة يوجد بها طفوح بركانية (تكوينات لابية)، وحرّات قديمة تغطي معظم أجزائها. ولقد أثبت عدد من العلماء بأن المملكة مستقرة جيولوجيًّا، ونادرًا ما يوجد فيها مخاريط بركانية نشطة، لأن براكينها السابقة قديمة وخامدة، وقد تزامنت مع نشأة البحر الأحمر الانكسارية منذ ملايين السنين. وهناك فريق آخر من العلماء يرى أن شبه الجزيرة العربية -خاصة الجزء الغربي منها- غير مستقر جيولوجيًّا، ويمكن أن يحدث فيه شيء من الحركة والاضطراب. والسؤال الذي يشغل بال الكثيرين من المهتمين بهذه المواضيع وعامة الناس هو: هل منطقة شبه الجزيرة العربية -والتي يشغل معظمها المملكة العربية السعودية- مستقرة جيولوجيًّا أم لا؟ وللإجابة عن هذا السؤال نقول: إن عددًا من الباحثين الأمريكيين أثبتوا في دراساتهم الجيولوجية لشبه الجزيرة العربية (باورز وآخرون، 1966م)، بأن المملكة مستقرة جيولوجيًّا، ومعظم البراكين الموجودة فيها (على طول السلسلة الجبلية) هي من النوع الخامد، الذي نادرًا ما يثور، وقد استدلوا على ذلك من خلال دراسة العمر الجيولوجي للحرّات والطفوح البركانية المنسابة على طول السلسلة الجبلية (جبال الحجاز - عسير)، وبرهنوا أيضًا على أن هذه الثورانات لم تحدث منذ نشأة البحر الأحمر في الزمن الجيولوجي الثالث في عصر الميوسين قبل 22 مليون سنة، وهو هبوط لقاع البحر مع قفز للجانبين وظهور المرتفعات على طول ساحليه الشرقي والغربي (جبال الحجاز - عسير، وجبال مصر الشرقية). أمّا الفريق الآخر من العلماء فقد أكّد بأن شبه الجزيرة العربية غير مستقرة جيولوجيًّا، واعتمدوا في ذلك على دراساتهم التي أشارت إلى بعض الزلازل والبراكين التي حدثت في اليمن ومصر والأردن ولبنان، وغيرها من الدول المحيطة، كما استشهدوا ببركان المدينة المنورة، الذي حدث سنة 654هـ، والذي أخبر عنه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف، وهو أحدث أنواع البراكين في شبه الجزيرة العربية كلها. ونحن نأخذ بالرأيين السابقين، فالمملكة مستقرة جيولوجيًّا، ومعظم براكينها من النوع الخامد والذي لم يَثُرْ منذ ملايين السنين، ولا توجد أي دلالة أو مؤشرات على ثورانها منذ زمن بعيد، هذا من جانب البراكين على طول امتداد السلسلة الجبلية. وفي المقابل -وعلى رأي الفريق الآخر- فهي غير مستقرة، لأنها مجاورة لمنطقة تصدع وحافة بحرية تمثلها قاعدة البحر الأحمر، حيث يمثّل البحر منطقة ضعف للقشرة الأرضية، يصاحب هذا الضعف حركة للألواح البنائية التي تتمثل في حركة ضغط الصحيفة الإفريقية الرئيسية على صحيفة شبه الجزيرة العربية الفرعية -وهي حركة في عكس اتجاه عقارب الساعة- ممّا يساعد في نشأة الحركات الزلزالية في المنطقة. والزلازل تنشأ في منطقتين فقط، المنطقة الأولى: مناطق الضعف في القشرة الأرضية عند التقاء الحافة المحيطية مع الحافة القارية، والمنطقة الثانية: في مناطق التضرس العظمى حيث تواجد السلاسل الجبلية الكبرى، والتي تتأثر بحركة الصفائح الأرضية، وهذا ما أثبته القرآن العظيم.
أمّا مركز العيص؛ فما يحدث فيها ليس بمستغرب في منطقة ذات نشأة تصدعية، وهو باختصار نتاج أو محصلة لكل هذه المعطيات سابقة الذكر، من ضعف في القشرة، وحركة للصفائح، مع وجود السلسلة الجبلية بجوار بحر ذي نشأة انكسارية، مع حركة الصهير التي تحدث نتيجة لتيارات الحمل الحرارية من باطن الأرض، والتي تأخذ دورتها على فترات متباعدة من السنين، ثم تخمد وتنتهي، ولكن إذا وجدت الفواصل والشقوق فربما تظهر على السطح في شكل ثوران بركاني، والذي نشك في حدوثه حاليًّا، لكن تظل قدرة الله فوق كل شيء. وقد ذكر بعض الذين تطرقوا لهذا الموضوع -في الصحف المحلية- بأن المملكة ضمن الحزام الناري!! وهذا غير صحيح، لأن منطقة الحزام الناري، أو (الحلقة النارية)، تقع في شمال المحيط الهادي، وتشمل بعض الجزر المحيطية، ومناطق أقواس الجزر، والذي تُعتبر معظم براكينها من النوع النشط والثائر في معظم الأحيان، والمملكة العربية السعودية بل شبه الجزيرة العربية كلها بعيدة كل البعد عن هذا الحزام الناري الذي ذكر. إن جميع المؤشرات الطبيعية تشير إلى عدم إمكانية حدوث ثوران بركاني في منطقة العيص، ولو حدث -لا سمح الله- فهي منطقة بركانية أصلاً، ومخاريطها البركانية وحراتها ماثلة للعيان، كما توجد بها حرة (لونير) وأذرعتها الممتدة من العيص حتى سواحل البحر الأحمر على شواطئ محافظة أملج، وهي حرة مزدوجة من حيث طفوحها البركانية، فهي مكونة من اللابا الحمضية الغنية بثاني أكسيد السيليكون، وهي لزجة، وبطيئة الحركة، وفاتحة اللون، وأيضًا هناك اللابا القاعدية وفوق القاعدية وهي الفقيرة جدًا في السيليكات، وهي سريعة الجريان، وعالية الانسيابية، وشديدة السواد، وهذه الطفوح فوق القاعدية بالذات يخشى منها على البيوت، والمزارع، وغيرها من منشآت. فبلادنا -إن شاء الله- آمنة، ولكن لا بد لنا من أخذ الأمور بجدية، وتوفير سبل الوقاية أمر مطلوب، مهما بدت التوقعات بعيدة أو مستحيلة، فنحن نتعامل مع الطبيعة والتي يمكن أن يحدث فيها أي شيء وبدون مقدمات. وتُشكر وزارة الداخلية ممثلة في مديرية الدفاع المدني، وهيئة المساحة الجيولوجية السعودية، وجميع القطاعات المشاركة، على متابعة تطورات الحدث، والتعامل السريع مع الوضع القائم وبكل جدية، وتوعية المواطنين المستمرة (بسرعة الإخلاء عند الضرورة، وأخذ الحيطة والحذر)، ووضع جميع الإمكانيات من أفراد وآليات في خدمة سكان المنطقة، كما كان لوزارة الإعلام دور بارز في متابعة الحدث ونقله يوميًّا من خلال قنواتها المختلفة، حيث تعاملت بكل مصداقية مع الواقع، ونقلت أحداثه أولاً بأول، من أجل إيصال المعلومة الصحيحة ومن مصادرها الموثقة لعامة الناس وللمقيمين بالمنطقة وما حولها، وطمأنة الجميع عمّا يحدث على أرض الواقع، وكيفية التعامل مع مثل هذه الأمور التي نادرًا ما تحدث على أرضنا، والتفاعل معها بكل مصداقية بعيدًا عن المبالغة والتهويل.. حفظ الله بلادنا من كلّ مكروه.


 
إطبع هذه الصفحة