الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :هل يتقاعد الأستاذ الجامعي؟! (2)
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة المدينة
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 29/05/1437
نص الخبر :
محمد خضر عريف
هل يتقاعد الأستاذ الجامعي؟! (2)
دعوتُ في المقالة السابقة إلى السعي لإطالة بقاء الأستاذ الجامعي على رأس العمل قدر المستطاع، وبيَّنتُ أنَّ إحالته إلى التقاعد -عند بلوغ الستين- يشبه رمي الثمرة بعد نضجها، ففي هذه السن تزدادُ الحصيلة العلمية لدى الأستاذ إلى حدٍّ كبير؛ لكثرة الاطّلاع والبحث، كما تتراكم لديه التَّجارب في التعليم، وإيصال المعلومة إلى طلابه، ويكون بعد ذلك مستغربًا جدًّا أن يُستغنَى عنه في هذه السن المثالية -إن جاز التعبير-.
وإن لم يُستجب لهذه الدعوة، وأُحيل الأستاذ إلى التقاعد الوظيفي، وهو في الستين، فهل معنى ذلك أنّه تقاعد فعلاً عن كل وظائفه ومهامّه؟ وهل تقتصر مهمّة الأستاذ على التعليم فحسب؟ معلوم للجميع أن الأستاذ الجامعي يؤدّي ثلاث مهامّ رئيسة: التعليم، وخدمة المجتمع، والبحث العلمي، وربما تتوقّف المهمّة الأولى بعد تقاعده الوظيفيّ، فلا توكل إليه موادّ دراسية في الجامعة، ولكن ماذا عن المهمّتين الأُخريين اللتين لا تقلاّن في أهميتهما عن المهمّة الأولى؟ من الواقع أن التقاعد الوظيفيّ يتيح الفرصة للأستاذ لعطاء أكثر وأكبر كثيرًا في مهمّتي: خدمة المجتمع، والبحث العلمي، إذ يتوفر له الكثير من الوقت الذي كان يمضيه في التحضير للمواد، وتدريس عدّة شُعب دراسية، وتخصيص ساعات مكتبية طويلة، وبذل الجهد والوقت الطويلين في وضع الاختبارات، ثم تصحيح الإجابات، ورصد الدرجات... إلخ، ناهيكم عن عضوية اللجان الأكاديمية والإدارية التي تصل إلى العشرات أحيانًا، وتستنزف وقت الأستاذ بالكامل، ما لم يكن مكلَّفًا بمنصب إداري: وكيلاً للجامعة، أو عميدًا، أو وكيلاً لكلية، أو رئيسَ قسمٍ، وذلك يجعله منشغلاً على مدار الساعات الأربع والعشرين.
وفي ظلّ هذه المهامّ الجِسام لا يتأتّى للأستاذ الإسهام في خدمة المجتمع، كما لو كان متقاعدًا بعيدًا عن التدريس، والعمل الإداري، والفرص متاحة في كل القطاعات الحكومية والخاصة للإفادة من خدمات الأساتذة المتقاعدين، وخبراتهم الطويلة، ومعارفهم، وعلومهم: مستشارين، أو قياديين، وبدخول تصل في كثير من الأحيان إلى أضعاف أضعاف ما كانوا يتقاضونه، ولا يقتصر ذلك على التخصّصات العلمية فقط كالطب، والهندسة، وسواهما، بل يشمل التخصّصات الأخرى (وهي علمية أيضًا) من إدارية وإنسانية.
والمهمّة الثالثة التي يضطلع بها الأستاذ بعد تقاعده بتوسّع وتفرّغ وتركيز واتقان هي: البحث العلمي، فلا شيء يشغله بعد التقاعد عن إكمال مشروعات بحثية معلّقة قبل التقاعد لإنجازها، ونشرها في أوعية علمية مناسبة، أو إصدار كتب لم تكن لديه الفرصة لجمعها، وتبويبها رغم توفر المادة العلمية في كثير من الأحيان، فتُتاح الفرصة له بعد التقاعد لتزويد المكتبة العلمية العربية بالمزيد من المؤلّفات في مجال تخصّصه، وبذلك ينجز مهمّة البحث العلمي التي تتّصل بمهمّة خدمة المجتمع الذي سيفيد من هذه المؤلّفات ولا شكّ، وقبل ذلك كلّه يكون هذا التأليف ذخرًا له في الآخرة (علم يُنتفع به)، ناهيكم عن توفّر الفرصة له للتطوّع في المؤسسات الخيرية والإنسانية، فعجبًا لأمر الأستاذ، فأمره كله خير، قبل وبعد تقاعده، ولعلّ ما ذكرته في هذه المقالة يجيب عن السؤال الذي طرحَتْهُ: هل يتقاعد الأستاذ الجامعي؟ والجواب: لا.. لا يتقاعد الأستاذ الجامعي.

 
إطبع هذه الصفحة