الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :صناعة الثقافة وجدلية المدينة الفاضلة
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة المدينة
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 27/02/1437
نص الخبر :
عاصم حمدان
 
* جاء قرار معالي وزير الثّقافة والإعلام الدكتور عادل الطّريفي، بتكليف الأستاذ سعود الحازمي ليشغل منصب وكيل الوزارة للشؤون الثّقافية، في حقبة تنتظر الكثير من الملفّات العالقة في هذا الشّطر الهام من الوزارة خطواتٍ حاسمة، ومحقّقة لتطلّعات المثقّفين والأدباء. ولعلّ ما شهدته الأندية الأدبية في الحقبة الماضية من عقبات مردّه إلى أنّ الشّطر الثّقافي حديث التّكوين مقارنة بنظيره الإعلامي، الذي كانت بداياته تعود إلى ستّين عامًا أو أكثر، بينما وضعت اللّبنات الأولى للشّطر الثّقافي في حقبة معالي الأستاذ إياد مدني، وتمّ البناء على تلك الأسس في حقبة معالي الصّديق الأديب الدكتور عبدالعزيز خوجة، إضافة إلى أنّ الممارسة الديمقراطية التي تحقّقت لبعض المؤسّسات التّابعة للوزارة، أعني الأندية الأدبية، كانت بحاجة إلى شيء من الضّوابط غير المعيقة، ولا أريد أن أمضي بعيدًا في التدليل على أنّ هذا الولع الوجداني والعقلي في آن بالممارسات الديمقراطية الغربية هو أمر ينطوي على كثير من العوائق التي تصطدم بالواقع المعاش، أو ما يُسمّى بالنّسق الحضاري والاجتماعي العام.
* ومع ذلك فإنّه كما يبدو أو يتراءى من هذا الولع أو التعلّق بهذا الحلم الجميل الذي يغشانا في كثير من وجوه الحياة، والمتّصل بهذه الممارسة الغربية – أي الديمقراطية – نشأة وجذورًا، إنّ باعثه هو عدم إدراك البعض بأنّ هذه النّزعة أو النّمط الحضاري لم يُولد بين يومٍ وليلةٍ، فقد مرّ بأدوار عديدة وصعبة، حتّى استقرّ في شكله النّهائي، وتجذّر في الأعماق، بحيث من الصّعب تخطّيه أو تجاوزه. وقد تحصّن بكثير من الضّوابط النّاشئة عن مستجدّات الحياة؛ فهناك لا يتعارك النّاس بالأيدي، ولا يتطاولون بالسّاقط من القول؛ بل إنّ أقصى ما يقومون به عند اعتراضهم على أمر يتمّ مناقشته، هو التّلويح بالأوراق البيضاء في مشهد يبرز الفارق الحضاري بين المجتمعات.
* أعود بعد هذا الخروج الاضطراري إلى قضية انتخابات مجالس إدارات الأندية الأدبية، والتي صاحبها شيء من الضّجيج، ورافقها الكثير من الصّخب، فهناك – بلا شك – العديد من المشتغلين حقيقة بالهمّ الثّقافي والأدبي، يتطلّعون إلى تصويبات يرونها ضرورية في متن اللائحة الخاصّة بتسيير شؤون هذه الأندية الأدبية، ولعلّ السّؤال المُلح الذي يدور في الأذهان هو عن المرجعية الحقيقية لهذه الأندية الأدبية، ويتكرّر السّؤال بعد اقتحام البعض الأبواب والاعتراض على جوهر بعض المشاركات، ويتجاوز الأمر إلى شخصية المشارك نفسه. كما أنّ البعض يذهب بعيدًا وذلك بالدّعوة إلى فكرة الانعتاق من السلطة المباشرة لوزارة الثّقافة والإعلام على هذه المؤسّسات التي ينعتونها حقيقة أو مجازًا بـ»المؤسّسات المدنية»، وهذا ما أدّى – إذا أردنا وضع الأمور في نصابها الصّحيح وتشخيص الدّاء – إلى شيء من الصّدام بين من تعاقبوا على منصب إدارة الأندية الأدبية، وقد شغلته كثير من الشّخصيات الثّقافية المعروفة في السّاحة بعطائها، وبين وكالة الوزارة المعنية بالشأن الثّقافي. وإخال أنّ إخواننا في السّاحة بحاجة إلى أن يهبطوا من عليائهم والالتصاق بالواقع الذي تعتبر الأندية الأدبية وشؤونها وشجونها جزءًا منه، ولا تستطيع بالتّالي الانفكاك عنه، والتّغريد في سرب خاص بها، متحصنة وراء ما يمكن وصفه بالجدل الفلسفي، أو الرؤية اليوتوبية (Utopian)، والمرتبطة بالمقولات الفلسفية لأفلاطون وأرسطو إزاء ما عُرف بكينونة المدينة الفاضلة وتماهيها مع أنساق فلسفية واجتماعية أخرى.
* الأخ «سعود» عرفته إبّان تشرّفي بالعمل في وزارة الحجّ، مستشارًا، مع بداية حقبة معالي الأخ الدكتور محمود سفر عام 1414هـ، وواجب الأخوّة والزّمالة يفرض عليّ أن أذكر شيئًا عنه، بعيدًا عن أيّ مجاملة، فلقد نفضت يديَّ من كثير من أمور هذه الدّنيا الفانية، ولم يبقَ من ملاذ وملجأ – بعد الله – إلا هذه الكلمة التي أدوّنها بين الحين والآخر، وأسكب من خلالها شيئًا من المشاعر الصّادقة، فهو إنسان هادئ الطّباع، وجادٌ ومتقن لما يُسند إليه من عملٍ، وبعبارة أخرى فلقد أخذ من البادية صفاءها ونقاءها والصّبر على تقلّبات الدّهر، مهما كانت شدّتها وبروق عواصفها، كما أصابه من الحاضرة تهذيبها ورقّتها، وكان قادرًا بما وهبه الله من شمائل أن يجمع ذلك كلّه في رداء واحدٍ يشفّ ظاهره عن باطنه. ولعلّي في هذه الكلمات المتواضعة يفترض أن أنوّه بجهود الأخوين الكريمين الزّميل الدكتور عبدالعزيز السِبيّل، والأخ الدكتور ناصر الحجيلان، واللذين شغلا منصب الوكالة من قبل، ومشيدًا في الوقت نفسه بالخطوات الإيجابية والفاعلة والموسومة بكثير من التأنّي والرؤية التي اتّخذها معالي الأخ المثقّف الدكتور عادل الطّريفي منذ تقلّده هذا المنصب الهام، في حقبة أحوج ما تكون فيها الأمّة لصناعة ثقافة تقوم على منهج الوسطية والاعتدال والتّسامح، ونبذ كلّ أشكال التطرّف والتعصّب والانغلاق والانحياز للرّأي الواحد، أو التترّس به. وإنّني أتطلّع من فوق هذا المنبر، الذي يحمل رمز الإيمان والسّلام والأمان، إلى أن يمدّ أرباب الكلمة أيديهم إلى مؤازرة هذه المؤسّسة والقائمين عليها بما يقدرون عليه، ويدعون لها بما يقدرون. والله وليُّ التّوفيق.

 
إطبع هذه الصفحة