الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :بين الجاهليتين!
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة المدينة
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 27/02/1437
نص الخبر :
سالم بن أحمد سحاب
بين الجاهليتين!
في الجاهلية الأولى كانوا يصنعون الأوثان من تمر، فإذا جاعوا أكلوه. هكذا كانوا في الجاهلية القديمة أيام سادت قريش لحينٍ من الدهر. وثن يُصنع ليُعبد ثم يُؤكل، إذ لم يبق إلاّ خياران أحلاهما جوع. إمّا أن يقضوا على آلهتهم المزعومة ليشبعوا بطونهم، أو أن يقضوا على أنفسهم جوعًا، والتمر أمامهم منصوب.
وفي العصور المتأخّرة الحديثة، يصنعون وثنًا آخر، لكن ليس من تمر، وإنّما من لحم ودم، ثم يزعمون قتاله، والرغبة في التخلّص منه.
والكلُّ في الجاهلية الأولى يعتقدون -باطنًا- أن ذلك الصنم آلهة تُعبد، ومع ذلك لا يتردَّدون في مضغه وهضمه، ثم هضمه ولفظه. أمّا حضارة اليوم، فتصنع أوثانًا على علم وخبث، وربما عن غباء وسخف. ثم لا تلبث أن تحشد الحشود، وتجلب السلاح، وتعلن الحرب، وتؤكّد أنها حرب ستطول عدد سنين!
هل يمكن اعتبار الذي يجري في الشام، وفي العراق مظاهر حضارية جديرة بالزهو؟ هل يحلو لأيّ عاقل الانتساب إلى حضارة تتغافل عن داعش واحد يتّصف بكلِّ ما تضمّه القواميس القديمة والمعاصرة من عشق لسفك الدماء، وانتهاك الأعراض، وتهديم البيوت، وتدمير المدن، ثم هي تزعم الالتفات إلى مجموعة من الدواعش الجدد، يحمل كل منهم صفة، أو أقل من صفات الداعشيّ الأول، المستحق للعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين؟
لو أن زعماء الحضارة المعاصرة قضوا على الداعشيّ القديم (وهم على ذلك قادرون)، لما وُلد داعشيّ واحد جديد! ولو أن جزءًا يسيرًا جدًّا من هذه الحرب العشواء على داعش العراق والشام وُجّه إلى الداعشيّ القابع في دمشق، لكانت المنطقة اليوم في أفضل حال، وخير مآل!
لكنها مكائد ومصائد، وهو خذلان وتهريج! مكائد ومصائد لدول المنطقة لتغيير بنيتها، وتمزيق شملها، وتحطيم قواها، وتقوية شوكة أعدائها القابعين في تل أبيب، وفي قم، وطهران! وقد وقع في المصائد مَن وقع، واستسلم للمكائد مَن فعل!
وأمّا الخذلان فليس للمنطقة، وإنّما للحضارة التي يزعمون بها وصالاً، ولها تمثيلاً، ومنها تفويضًا! هم خذلوا أنفسهم أولاً مهما بدا لهم غير ذلك، فالمكرُ السيئُ لا يحيقُ إلاَّ بأهلِهِ، ولا يرتدُّ السحرُ إلاَّ على ربعِهِ!!

 
إطبع هذه الصفحة