الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :الإسكان.. أين تكمن المشكلة؟
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة عكاظ
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 27/01/1437
نص الخبر :

محمد حسن مفتي

تعتبر أزمة الإسكان في المملكة قضية مزمنة مرشحة لأن تطفو على السطح بين الحين والآخر، وهي ليست مشكلة آنية بل هي مشكلة أجيال بأكملها، من المؤكد أن أزمة الإسكان لا يمكن اختزالها في جانب واحد يتمثل في معادلة بين طرفين، أحدهما يمثله المواطن والآخر تمثله الدولة، لأن أزمة الإسكان بمثابة العرض الذي يعكس وجود المرض، وأول ما يتوجب علينا فعله هو أن ننظر لأزمة الإسكان نظرة متكاملة باعتبارها جزءا من مشكلة اجتماعية تتعلق بتشابك عدد من القطاعات في تكوينها، إنها نتاج أزمة تعكس عدم قدرتنا على التخطيط والرقابة على الكثير من العناصر التي تمتد لأكثر من مجال وتتنوع بين أكثر من عامل وعنصر فعال.

 
بعد الطفرة الاقتصادية الأولى في عام 1975، قامت الدولة بإنشاء صندوق التنمية العقارية بهدف تقديم قروض ميسرة للمواطنين، مع التوسع في منح الإعفاءات والتي طالت حتى المتوفين واستفاد منها ذووهم، مع منح خصومات أيضا للمنتظمين في السداد، وفي ثمانينات القرن طفت المشكلة على السطح مرة أخرى بسبب الانخفاض المدوي وقتذاك في أسعار النفط على المستوى العالمي، والتي تزامنت لسوء الطالع مع زيادة الأعباء المالية للمملكة بسبب حربي الخليج الأولى والثانية، وما استتبعهما من ركود اقتصادي في غالبية دول العالم، ومنذ ذلك الوقت ظلت مشكلة الإسكان تتراكم حتى حدثت الطفرة الاقتصادية الثانية في عام 2005 وما بعدها، وسعت الدولة لاحتواء المشكلة من خلال مبادرتها لدعم صندوق التنمية العقاري ماليا لاستيعاب هذه الزيادة المطردة في الطلب، غير أن هذه المحاولات لن تنجح كثيرا في مواجهة الأمر وذلك لأسباب عديدة.
 
وقضية الإسكان ليست قضية وزير الإسكان فقط بل هي نتاج مفترض للتخطيط الإستراتيجي الذي تشترك فيه العديد من الوزارات، فعلى سبيل المثال توفير الأراضي وإعدادها لإقامة مشروعات سكنية يتطلب تعاونا من وزارة الشؤون البلدية، وتوفير تمويل لبنائها يحتاج تعاونا من وزارة المالية، وتوفير الخدمات والمرافق لها يتضمن تعاونا من وزارة المياه والكهرباء، وتزويدها بالخدمات الأساسية مثل المستشفيات والمدارس يحتاج تعاونا من وزارتي الصحة والتعليم، وتوفير سبل المواصلات لموقع الإسكان يتطلب تعاونا من وزارة النقل، يمكنني القول إن التعامل مع مشكلة الإسكان فيما سبق تميز بقدر كبير من الارتجالية والتخبط، فكل الحلول المقدمة كانت تهدف إلى معالجة لحظية وليست على المدى البعيد.
 
يبلغ عدد سكان المملكة اليوم قرابة ثلاثين مليونا، ولو أخذنا في الاعتبار أن متوسط عمر الزيادة السكانية وهو ما يطلق عليه «عمر الجيل» عشرون سنة سنجد أن التعداد السكاني مرشح للزيادة خلال عقدين فقط، وفي ضوء عدم التوسع في التخطيط العمراني سيؤدي ذلك إلى انفجار سكاني داخل المدن. من المؤكد أن المملكة بحاجة إلى تخطيط عمراني يشمل التوسع في إقامة مدن صناعية جديدة يمكنها أن تستوعب الزيادة المطردة في عدد السكان، وبنظرة سريعة إلى من سبقنا في عهد الخلافة الراشدة وما تلاها من عصور نجد أن التوسع العمراني -لأسباب عسكرية واقتصادية- اشتمل على إقامة مدن جديدة، على سبيل المثال مدينة الكوفة التي أنشأها سعد بن أبي وقاص، وبغداد التي أنشأها المنصور، وحلوان التي أنشأها عمر بن عبدالعزيز، والقيروان التي أنشأها عقبة بن نافع، وواسط التي أنشأها الحجاج، وغيرها من المدن التي لا يتسع المجال لذكرها هنا.
 
أزمة الإسكان في المملكة هي أزمة بناء المجتمعات العمرانية وليست أزمة بناء مساكن، وهي إحدى الأزمات التي تتطلب حلولا إستراتيجية شاملة ومتكاملة على المدى البعيد، إنها مشكلة لا يقع عبؤها على عاتق وزارة الإسكان وحدها، والتي تتحمل بطبيعة الحال جزءا من الوزر كما تتحمل المخرجات السلبية الناتجة عن عدم التنسيق والتعاون بين الوزارات والافتقار لرؤية موحدة لمشكلات الوطن وكيفية التخلص منها، نحن نتعامل مع قضية التوسع في الإسكان من خلال التوسع الأفقي وليس الرأسي، يجب أن ندرك حجم وعمق مشكلة الإسكان جيدا قبل أن تتفاقم بحيث يتعذر حلها فيما بعد، فعدد المواطنين الذين لا يملكون سكنا عام 2015 سيتضاعف في العام 2035 وهكذا، وبسبب الطبيعة الديناميكية للأزمات فإن أزمة الإسكان ستتحول لأزمات اجتماعية نحن في غنى عنها، فلنبدأ الآن قبل أن تتعذر علينا الحلول، وقبل أن يفوت الأوان.


 
إطبع هذه الصفحة