الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :شياط
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة عكاظ
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 26/11/1436
نص الخبر :

طارق على فدعق

سبحان الله أن بعض الكلمات «فواحة» وكأنها صممت خصيصا لحاسة الشم، ومنها كلمة «شياط» التي تعبر عن رائحة الحرق. وللكلمة بعض الأبعاد التاريخية العجيبة وإليكم بعضها:

 
في زيارة للمنطقة التاريخية في مدينة روما وقفت في ساحة كبيرة وجميلة جدا، وحتى اسم المكان كان جميلا «فيوري دي كامبو» ومعناها «حقل الزهور». وفي هذه الساحة تشعر وكأنك تستنشق التاريخ. ولكن كما يقول المثل «يا فرحة ما تمت»، فقد اكتشفت الجوانب الخبيثة للساحة ففيها تم حرق «برونو» عام 1600 وكان أحد علماء القرون الوسطى المرموقين. الحكاية باختصار هي أن السلطات آنذاك أتت بالرجل بعد محاكمة سريعة حاسمة وقيدوه بالحبال، ثم أشعلوا فيه النار في وسط الساحة أمام الناس. وكانت التهمة الأساسية أنه اكتشف أن الكواكب تدور حول الشمس وأن كوكب الأرض هو جزء من تلك المنظومة، وبالتالي فهو الذي يدور حول الشمس وليس العكس. وكانت نظريته مبنية على مجموعة ملاحظات فلكية، ولكنها أتت بما لا يتفق مع تفسير الكنيسة لما جاء في الإنجيل. تحول فكر الرجل، بل والرجل بأكمله إلى «هباب» خلال دقائق بسبب نظرته ونظريته.. وبعد هذا التاريخ لساحة «فيوري دي كامبو» شعرت وكأنني أشم رائحة حرق و«هباب»...رائحة «شياط».
 
وقبل فترة كنت في زيارة لمصنع شركة بوينج لصناعة الطائرات. وتحديدا كانت زيارتي لخط إنتاج طائرة البوينج 777 في شمال مدينة «سياتل» بولاية واشنطن، وفوجئت بمساهمة المصانع اليابانية الرائدة في صناعة هذه الطائرة الرائعة بنسبة تفوق 20 % من إجمالي أجزاء الطائرة. والأجزاء اليابانية ضخمة ومهمة لأداء الطائرة، واستوقفتني إحدى القطع المصنعة في مصنع «كواساكي» Kawasaki الذي تربطه جذور تاريخية بمدينة «نجازاكي» في جنوب البلاد. وبمجرد سماع اسم هذه المدينة الغلبانة، ومعناها باليابانية «العباءة الطويلة»، خطر على بالي أحد الأسئلة التي لم أجد له حل طول عمري وهو: لماذا تم ضرب «ناجازاكي» وتدميرها بالكامل بالقنبلة الهيدروجينية في 9 أغسطس 1945؟ علما بأن قبلها بثلاثة أيام تم تدمير مدينة هيروشيما بالقنبلة الذرية الأصغر حجما. سمعت المبررات والمسوغات، وكلها كانت ولا تزال غير مقنعة بالنسبة لي لأن مقدار القسوة في تدمير مدينة وإبادة حوالي مائة ألف من المدنيين لم يتناسب مع ما جرى قبلها بثلاثة أيام. كل هذا أوحى لحواسي برائحة «شياط» قوية بمجرد التفكير في مدينة «ناجازاكي».
 
وأخيرا، كنت في رحلة بالطائرة خلال الأسابيع الماضية فوق أوروبا، وطارت طائرتنا فوق ألمانيا فمررنا على بعض المدن التي استخدمت ضدها تقنيات الدمار العجيبة لحرق البشر والحجر خلال الحرب العالمية الثانية، وإحداها كانت ضد مدينة هامبورج، حيث تم ضربها بقنابل حارقة في وسط المدينة لتكوين عواصف هوائية شديدة لتسحب الأخضر واليابس إلى عين تلك الحرائق. وكانت فعالة لدرجة أن سطح البحيرة في وسط المدينة اشتعل... تخيل بحيرة تتعرض «للشياط»؟ وفي نفس اليوم طارت طائرتنا بمحاذاة الشام، وشعرت بالألم لأنني شعرت وكأنني أشم رائحة حرق حضارة سوريا الشقيقة.
 
أمنيــــــــــة
 
أتمنى أن نتذكر أن أحد أوجه الانحطاط الحضاري هو استخدام النيران لجلب الدمار والأذى للأبرياء. ودعونا نركز على القسوة التي يعاني منها الإنسان السوري فهو ضحية تصرفات غير مسؤولة من جهات لا ترقى بتحمل مسؤولية الحكم. وللأسف أن أقوى الشياط اليوم هو في سوريا الشقيقة. والله عز وجل شاهد على الظلم الذي يتعرضون له،
 
وهو من وراء القصد.


 
إطبع هذه الصفحة