الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :بالأبيض والأسود
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة المدينة
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 25/11/1436
نص الخبر :
محمد خضر عريف
بالأبيض والأسود
مَن منَّا لا يشاهد أفلام الأبيض والأسود، التي تعود إلى عصر الأربعينيات، أو الخمسينيات الميلادية، وأعني بتلك الأفلام، السينما، كما أعني الأفلام التسجيلية، والأخبار، والتحقيقات المصوّرة، وغيرها.
والمُشاهد لتلك الأفلام، يلحظ ما آل إليه حال العالم العربي بعد «الألوان»: ألوان العذاب والشقاء، والبؤس والفقر، وانحدار القِيَم والأخلاقيات، سوى انحدار الصحة والتعليم، والذوق العام.. إلى آخر قائمة لا تنتهي، شاهد أفلام الأبيض والأسود لترى الأناقة واللباقة، في بيوتٍ عامرةٍ نظيفةٍ، يسكنها أناسٌ متحضّرون، عفيفو اللسان، تبدو عليهم مظاهر النظافة، نظافة الثوب واليد والمنطق، لا ينطقون بكلمة نابية، ولكل فيلم فكرة وهدف، كلها تبعد عن الإسفاف والرذيلة، وتدعو إلى الخلق والفضيلة.
ثم شاهد أفلام الألوان لترى الصفاقة، وانعدام اللباقة، وكل مظاهر العوز والفاقة، من بيوتٍ متّسخةٍ، و(كروشٍ) منتفخةٍ، وألسنةٍ لا تنطق إلاّ بأقذع الكلمات، دون هدف سوى إشاعة الرذيلة، ونبذ الفضيلة.
فأيّ زمن يمثله الأبيض والأسود؟ وأيّ زمن تُعبِّر عنه الألوان؟ لا شك في أن العرب كلهم اليوم ساخطون على ما سُمِّي «الربيع العربي»، بعد أن عاد بهم قرونًا إلى الوراء، وما عاد هناك عربي واحد يُؤمن بأن أيّ ثورة عربية يُمكن أن تُغيِّر، فبات الكثير من العرب يترحّمون على بعض الطغاة الذين أُزيحوا بالثورات، وكان الناس في عهودهم أحسن حالاً، ولم يفكر أحد في أن هذه الثورات المشؤومة، سبقتها ثورات أخرى في عصر (الأبيض والأسود)، كانت أشد وأنكى بلاءً على مواطني الدول نفسها، التي تعاني من ويلات الثورات في الربيع العربي المزعوم، ومنها مصر التي كانت تتصدّر كل الدول العربية -علمًا وثقافةً واقتصادًا وتسليحًا- حتى مطلع الخمسينيات، وجاء التغيير فيها، ليجرفها إلى مزالق الضعف والفساد. وها هي ليبيا، التي ثارت على الملك إدريس حتى قيل وقتها: (إبليس ولا إدريس)، فجاءهم من هو أسوأ من إبليس، وحكمهم بالحديد والنار أربعين عامًا، ولم يترك الحكم إلاّ قتيلاً، بعد أن مزّق البلاد شرّ ممزّق، وهيّأها للتقاتل والتشرذم، حتى أصبحت ليبيا اليوم مئة ليبيا. وها هو العراق الذي خُلِع فيه الملك فيصل، فلم تستقر له حال من حينها إلى يومنا هذا، وتعاقب على حكمه طاغية تلو طاغية، حتى وصل الحكم إلى أسوأ وأحقر طاغية، وهو الأفّاق الطائفي عميل الفرس: نوري المالكي، فماذا جني العراق من الثورة على الملك فيصل حتى اليوم إلاَّ الضعف والفقر والطائفية والفساد؟.
لا شك في أن كل من كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد، يُدرك أن الثورات العربية لا يمكن أن تكون دربًا للأفضل، ولا نحتاج دليلاً أوضح من التأمل في عهود الأبيض والأسود.

 
إطبع هذه الصفحة