الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :رمضان العرب
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة المدينة
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 30/08/1436
نص الخبر :
محمد خضر عريف
رمضان العرب
جرت العادة خلال أعوام خلت أن نزفَّ البشرى للأمتين العربية والإسلامية بحلول شهر الخير والبركة، وأن ندعو لهاتين الأمتين -وهما أمة واحدة- بالنصر والتمكين، ولكن هذا العام نجد تهنئتنا بحلول هذا الشهر الكريم قد علتها حسرة كبيرة، وشابها ألمٌ يعتصر القلوب على ما آلت إليه أحوال أمتنا العربية من الضعف، وتفرّق الكلمة، وشماتة الأعداء. وإن نظرنا شرقًا وغربًا، وشمالاً وجنوبًا في عالمنا العربي لا نجد إلاَّ فتنًا تُزرع، وما عاد أحد يتحدّث عمّا سُمّى بالربيع العربي، بل لا يستحق ذلكم أن نسميه الخريف العربي؛ لأن الخريف تعقبه فصول إزهار وإثمار، أمّا خريف العرب فلا زهر فيه ولا ثمر، وأصبح كخريف العمر الذي لا يعود بالشباب يومًا. نعم أتانا رمضان هذا العام، ونصف العرب تقريبًا مشرّدون، ومضطهدون، وجائعون، ويائسون، كثير منهم باتوا كالأيتام على موائد اللئام، وأمسوا ضيفًا ثقيلاً على دول هي أصلاً تئنُّ من ساكنيها، وتكاد لا توفر الاحتياجات الرئيسة لأهليها. فمَن كان يتصوّر أن يلجأ أهل اليمن السعيد إلى دولة شبه معدمة كجيبوتي؟ وربما لجأ بعضهم إلى الصومال. وما ذلك إلاَّ لأن فئات أصيبت بعمى البصر والبصيرة من أهل اليمن، انساقت وراء سراب ووهم بأن مرجعياتها الفارسية ستمكّن لها في الأرض إن هي دمّرت اليمن، وأبعدت سلطته الشرعية، وهددت جيرانها، وفي مقدمتهم السعودية، التي لا يوجد شارع ولا مبنى في اليمن إلاّ لها يد بيضاء فيه، دون مَنٍّ أو أذى، وتقاطعت مصالح هذه الفئة الفارسية الهوى مع مصالح مخلوع منبوذ، لطالما عضَّ اليد التي أحسنت إليه. فكان ما كان، وحل رمضان بأرض اليمن، وهي في كفاف وحرمان وهوان. وحل كذلكم بالعراق وهي في تناحر وتقاتل، وفتن طائفية لا يعلمها إلاَّ الله.
وليست الحال أفضل في الشام من اليمن، فأين اليوم شامنا؟ أين بلاد الماء والخضرة والوجه الحسن في رمضان هذا العام، وفي أعوام خلت؟ ماذا تبقى من دورهم؟ وماذا ألمَّ بأهليهم والطاغية العلوي يدكّهم كل يوم ببراميل الموت، التي أصبحت ملء ديارهم؟! رمضان يحل على السوريين وأكثر من نصفهم مطرودون، مهجّرون، بعد أن كانوا يفتحون صدورهم وقلوبهم وبيوتهم لكل لاجئ ومهجّر. وليست الحال بأفضل في أقطار عربية أخرى، فأرض الكنانة لا تفتأ تشهد تفجيرات واعتداءات يومًا بعد يوم، وجارتها ليبيا أصبحت مئة ليبيا في انقسامات تلو انقسامات، وحتى تونس يحدث فيها ما يحدث كل يوم وكل ليلة. ذلك رمضان العرب الذي لا يعيش فيه في أمن وأمان إلاَّ هذه البلاد المسلمة، وما جاورها لأنها آخر حصون الإسلام الحصينة، وقلعته القوية المتينة، بقادتها المخلصين الأتقياء، وشعبها الملتف حولهم بكل إخلاص وتفانٍ وصدق ونقاء وصفاء. كفانا الله شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وشهركم مبارك.

 
إطبع هذه الصفحة