الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :نحن وأمريكا!
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة مكة
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 29/06/1436
نص الخبر :

 صالح السبعان

يمر النظام العالمي الحالي بمرحلة انتقالية، ومن سمات كل المراحل الانتقالية القلق، والتوتر، والحركة الدائبة غير المستقرة بحثا عن توازن جديد.
ومما يفاقم من قلق النظام العالمي في هذه الظروف أن القوة الكبرى والعظمى فيه بدأت تتغير من نظام جمهوري يدعم الحرية والتنوع إلى إمبراطورية تسعى لأن تفرض رؤيتها على العالم كله، وهي تفعل ذلك ليس خوفا على البشرية وحرصا على السلام العالمي، وإنما تفعله من أجل السيطرة على كل الدول والمجتمعات بهدف تحقيق مصالحها الخاصة وتحت ضغط أقلية تملك مفاتيح الاقتصاد الأمريكي وتسعى لأن تحقق أقصى الفوائد والأرباح، ولو عن طريق إشعال الحروب في كل العالم.
وهذا الوضع يضعنا أمام محك جديد واختبار لم نجربه من قبل، إذ إن علاقة المملكة العربية بالولايات المتحدة الأمريكية كانت تقوم، ومنذ ما قبل منتصف القرن الماضي، على صيغة تحالفية اطمأن إليها الطرفان، رغم ما كان يعتورها من توتر بين حين وآخر بسبب اختلاف وجهات النظر، وتضارب المصالح في بعض الأحيان، مثلما حدث إبان حرب أكتوبر حين استعملت السعودية نفطها سلاحاً انطلاقاً من مسؤولياتها الدينية والقومية والأخلاقية.
وطيلة تاريخ هذه العلاقة كانت السعودية هي الطرف الأكثر بذلا وعطاءً، بما كان في بعض الأحيان يناقض مصالحها الآنية من أجل استمرار هذا التحالف بما يحفظ استقرار المنطقة، وما يدعم السلام العالمي، وقد قدمت المملكة العديد من التضحيات في سبيل هذه الأهداف، ودفعت العديد من فواتير استحقاقات تنفيذها على أرض الواقع.
كانت شرارات التناقض تكمن تحت رماد هذا التحالف إلا أن أحدا لم يشأ ينفخها، وذلك حرصاً على هذا الاستقرار الهش في العلاقة بين الدولتين.
هشاشة هذه العلاقة تتجلى كأوضح ما تكون في أنها تقوم على فهم متناقض بين طرفيها، إذ بينما كانت المملكة تعتبرها قائمة على مجموعة من القيم والمبادئ، وهذا ما عبر عنه الملك عبدالعزيز آل سعود – رحمه الله – حين سأل مستشاريه قبل أن يقابل الرئيس الأمريكي روزفلت في عام 1945، ما إذا كان الأخير يؤمن بالله؟ وإذا ما كان للولايات المتحدة مستعمرات؟. كانت الإدارات ومراكز النفوذ تراها أقرب ما تكون إلى زواج المصلحة كما عبر أحدهم عن ذلك.
ولا عيب في هذه النظرة إذا كانت تعني مصلحة الطرفين، إلا أنها من ناحية الولايات المتحدة كانت تعني مصلحتها هي وحدها.
إلى أن فجرت أحداث 11 سبتمبر تناقضات هذه العلاقة المشوهة في جذورها وإن كانت تحتفظ بشكل ظاهري جميل وبراق، وكشفت أمريكا عن وجهها الحقيقي الذي ظلت تخفيه خلال سنوات الحرب الباردة تحت أقنعة براقة من الشعارات والمبادئ الإنسانية.
إن ما حدث، لمن كانوا يعرفون، أو يحدسون بما وراء الأقنعة، وما تحت السطح الظاهري، لم يكن مفاجئاً، ولا أمراً محيرا وشاذا وغريباً، بل هو أمر متوقع تماما، وكان ينتظر فقط الفرصة المواتية ليطفو على السطح ويصبح مشاهدا وعيانيا لمن كانوا يجهلون.
وسنحاول قراءة ما هو معروف ليس أكثر، لأننا بالفعل نحتاج إلى وقفة نصحح بها مسار هذه العلاقات، إلا أن ذلك يجب أن يتم بمعرفة ودراية تامة بالكيانين معا وخصائصهما، لنتوصل إلى الصيغة التي يجب أن تكون عليها هذه العلاقة.
وفي كل ذلك لا ننطلق من مبدأ الفصل والتجاوز والتجاهل، بل ندعو إلى التفاعل الحيوي بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، لا إلى مقاطعتها، فليس هذا من مصلحتنا إذا كنا نريد الدخول في قلب هذا العصر، والتفاعل الإيجابي مع أحداثه ووقائعه، وإذا كنا نطمع إلى لعب دور ما في هذا العالم.
الانفتاح الواعي والتفاعل الإيجابي هو ما نهدف إليه من هذا السعي.


 
إطبع هذه الصفحة