الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :هل الديمقراطية بشكلها الغربي تصلح لمجتمعاتنا؟
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة مكة
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 27/03/1436
نص الخبر :

صالح بن سبعان

 

هذا هو السؤال الذي يجب أن نلقيه على أنفسنا، بدلا من هذا الانقياد لكل ما يريد الآخر أن يفرضه علينا.

لقد نُفذت في المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة أول تجربة انتخابية على مستوى البلديات، وهي بكل المقاييس تجربة تاريخية، ولا يسع المرء إلا أن يشيد بها كمحاولة لاستحداث آلية تتيح للمواطن المشاركة في صنع القرار، ولو في حدود بلديته. وشأنها شأن أي تجربة وليدة، يجب أن تُخضع للدراسة والتقييم، حتى يستقيم عودها وتتطوَّر وترتقي. ومن هنا، ومن هذا المنظور الذي يبحث عن سلبياتها بهدف الارتقاء بها، لتحقق الأهداف المرجوة منها، نقول:
أولا: هل بلغت مجتمعاتنا في المملكة النضج الكافي بمضامين ممارسة الديمقراطية عن طريق الترشيح والانتخاب؟ ..الإجابة لا.
فعملية انتخاب المرشح تتدخّل فيها عدة عوامل تنسف مضمون الممارسة من أساسه، مثل عوامل القبلية والجهوية، وغير هذين.. هناك عامل آخر، حيث لا يترشح إلا من هو مُقتدر اقتصاديا.
وقد شاهدنا في هذه الانتخابات من استطاعوا أن يملؤوا صفحات الصحف بإعلانات مكلّفة عن أنفسهم، وبالمقابل هناك من لا يملك الكفاءة، ولكنه يستطيع الإعلان عن نفسه بهذه الكثافة.. كما شاهدنا الولائم المكلّفة التي يقيمها المقتدرون لجلب أصوات الناخبين. وإذن فإن ميزان اختيار الناخب للمرشح مختل حتى النخاع. في حين أن ميزان الاختيار يجب أن يقوم على مبدأين: القوي الأمين.. والقوة نعني بها الكفاءة والقدرة على تحقيق طموحات الناخبين بالصبر والمثابرة والجلد والشفافية في طرحها والشجاعة على مواجهة كل ما يحول دون تحقيقها. نعم ثمة تحفظ عندي على صيغة ممارسة الديمقراطية عن طريق الانتخاب، وربما يُغضب هذا الرأي كثيرا من أنصار هذه الصيغة في الممارسة السياسية والاجتماعية، وهذا يرجع عندي إلى عدة أسباب، أوجزها في الآتي:
أولا: إن في تجربتنا ما يؤكد وجود ما يتناسب وطبيعة مجتمعاتنا وقيمنا وتقاليدنا.
ثانيا: إذا كان ولا بد من أن نأخذ بهذه الصيغة، فلنتدرّج في الأخذ بها، وذلك بإشاعة مفهوم مبدأ قبول الرأي الآخر.
ثالثا: إننا يجب أن نبدأ أولا بالبنية التحتية للثقافة الديمقراطية في المنزل، بحيث نتيح في ممارستنا التربوية الفرصة لأبنائنا للتعبير عن أنفسهم، وألا نقمعهم.. ثم في مراحل التعليم الابتدائي حين نجعلهم يختارون رائد الفصل من بينهم، لا أن نفرضه عليهم فرضا قسريا.
وثمة تجربة في جامعاتنا يجب أن نتوقف عند دلالاتها جيدا، حيث جُربت مسألة الانتخابات لتنتخب كل كلية عميدها ورؤساء أقسامها فتدخلت العوامل الشخصية، وكان أن كان مردودها سلبيا، لأنها خضعت لاعتبارات شتى ليس من بينها اعتبار مبدأ الكفاءة، ففشلت التجربة وعدنا إلى الاختيار، وحسنا فعل المسؤولون ذلك، والسبب الأول وراء الفشل كان انعدام الثقافة الديمقراطية، وعدم فهم مضامينها الحقيقية، فأُخضعت لمبدأ (الشخصنة)، وهو الطامة الكبرى التي تقف حجر عثرة ليس في طريق الممارسة الديمقراطية عن طريق الانتخاب وحدها، بل وفي كل المجالات الأخرى، لأنه نقيض المأسسة. قد تسألني: إذن ما هو الحل الذي تقترحه لحل هذه المعضلة؟ أجيبك: إذا أقررنا بأننا يجب أن نأخذ بمبدأ التّدرج لا القفز في الظلام، فإننا يجب أن ندرس تجربة مجتمعنا التاريخية وطبيعته. إنني أعتقد أن حسن اختيار ولاة الأمر لمن أرادوا من الناس، وفق مبدأي الكفاءة والأمانة يظل هو الخيار الأفضل بعيدا عن المجاملة والتكريم الشخصي.. ومثلما هو الحال في مجلس الشورى الذي أخاف أن يطاله الانتخاب هو أيضا في ظل هذا الاندفاع نحو الديمقراطية بصيغتها الغربية.
ولكن كما قلت، وأشدد على ذلك، على أن يُطبق معيار القوة أو الكفاءة والأمانة بصرامة عند الاختيار لهذه المهمة التكليفية الشاقة.. وهذا هو النهج الذي كان يتبعه الملك المؤسس عبدالعزيز - رحمه الله - فقد كان يختار بعناية مستشاريه من مختلف الجنسيات العربية بهذه الشروط، ثم يتابع عن كثب أداء أجهزته التنفيذية، ويأخذ بمبدأ الشورى الحقيقية، لا الصورية أو الشكلية.
فلنأخذ في هذه المرحلة بهذه الصيغة، حتى نتأهل لما هو بعدها، أيا كان مسماها، فليست الأسماء هي المهمة، وإنما العبرة بالنتائج.
فهل أبدو واضحا ومفهوما؟


 
إطبع هذه الصفحة