الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :الفساد والتخلف الاقتصادي
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة عكاظ
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 23/09/1434
نص الخبر :
الفساد أنواع، نأخذ منها هنا الفساد في المعاملات المالية كالرشوة واستغلال السلطة والنفوذ لسرقة المال العام أو إهداره، ولهذا النوع من الفساد أضرار جسيمة تفوق حجم المال المهدر أو المسروق، وقد تؤدي إلى انهيار الاقتصاد بأكمله، ويكفي أن نشير إلى العلاقة المباشرة والقوية والواضحة ما بين مستوى الفساد في أي اقتصاد ومقدار تخلفه، فمهما كان الاقتصاد غنيا بإمكانياته وبموارده وبمواطنيه إلا أن الفساد كفيل بتدمير كل هذه الموارد وتعطيل كافة الطاقات ليظل الاقتصاد في مكانه أو يتراجع إلى الأسوأ، وسوف نجد أن العكس صحيح، بمعنى أنه حتى لو كان للاقتصاد إمكانيات وموارد محدودة جدا إلا أن محاربة الفساد وتحقيق النزاهة كفيلان ــ بإذن الله ــ بتقدم الاقتصاد وتطوره.
والأمثلة حولنا واضحة وكثيرة، وبسهولة ممكن أن نرى دولا واقتصاديات يئن مواطنوها من ضيق الأحوال وانتشار البطالة ونقص أو انعدام الخدمات الأساسية، وسوف نجد أن في معظم هذه الدول ــ إن لم نقل جميعها ــ هناك أنظمة حكم استبدادية تسمح لفئة حاكمة أن تفعل هي وحاشيتها ما يحلو لها وبدون حسيب أو رقيب، وبالتالي تستولي على خزانة الدولة وأوجه صرفها ولا تكتفي بذلك، بل تمد يدها إلى جيوب المواطنين، فلا يتبقى نشاط اقتصادي، سواء أكان صناعيا أو تجاريا أو زراعيا، إلا ووصلت خيوطه إلى أيدي المسؤولين في الجهاز المركزي، وهكذا لا يسمح باستمرار أي نشاط إلا بإذن المسؤول وبعدما يستوفي نصيبه منه وبالسعر الذي يحدده، ولذلك أحرق بعض المزارعين محصولهم بدلا من بيعه للدولة بسعر أقل من تكلفته، بل أحرق بائع خضروات نفسه من ضيق الحال، فلقد خنقت السلطة الحياة أمامه ولم يستطيع بشهادته الجامعية أن يجد أي عمل، ولذلك حاول بيع خضروات على عربة خشبية يدفعها، ولكن حتى هذا العمل كان ممنوعا بدون إذن أو إتاوة، وبالتالي لم يجد هذا الشاب إلا اليأس والحرقة والتي كانت شرارة الثورة في تونس.
وللأسف، لم يكن هناك داعٍ لهذه النهاية المأساوية، فكم سمعنا عن تونس الخضراء وغنائها بمواردها الطبيعية وشواطئها الخلابة ومواطنيها المثقفين، وكذلك بالنسبة لدول كثيرة لديها موارد ضخمة من أنهار وأراضٍ خصبة وثروات معدنية، ولكنها تعاني أقصى درجات الفقر ويعيش معظم مواطنيها دون دخل دولارين في اليوم، وبعضهم لا يجد حتى الماء الصالح للاستهلاك الآدمي، وكله بسبب انتشار الفساد في الاقتصاد ليحكمه بدون حسب أو رقيب، وبالتالي يخنقه ويقضي عليه مهما كان غنيا بالموارد والإمكانيات.
للأسف، الفساد موجود في كل زمان وفي كل مكان، فنحن بشر ذوو نفوس أمارة بالسوء، وبالتالي ننجذب للإغراءات، ومنها مد اليد إلى المال الذي ليس لنا حق فيه ولكنه متاح وبالذات لمن لديه السلطة، ولقد ذكرت حكمة غربية أن (السلطة تفسد، والسلطة المطلقة تؤدي إلى فساد مطلق)، ولذلك يجب أن تكون هناك أجهزة رقابية متعددة وقوية، بل إنه من المناسب أن يكون هناك جهاز خاص لمكافحة الفساد مثل هيئة مكافحة الفساد لدينا، ولا بد أن يكون هناك إعلام حر ومحايد ليساهم في الكشف عن أي مخالفات، وفوق هذا وذاك نحتاج لأنظمة واضحة ومعلنة يصاحبها قضاء قوي ومستقل لمحاربة الفساد، والذي يبدو وكأنه جزء من النفس البشرية، ونحتاج إلى تضافر جهود عديدة لنمنع أي يد تمتد للمال العام أو الأسوأ أن تمتد إلى أرزاق العباد، وذلك ليس فقط لحماية هؤلاء العباد أو لحماية اقتصادنا، بل لحماية أنفسنا، فانتشار الفساد يقضي على كل شيء، بينما محاربة الفساد تفيد الجميع بمن فيهم المفسد نفسه، فالمال الحرام لن يزيد من رزق أحد، بالعكس فإنه ينقص من بركة المال ككل ولا يكون إلا خسارة وبلاء على من أكله هو وأهله، وهذا في الدنيا، أما في الآخرة فهو جزء من النار وإليها يعود إلا بلطف الرحمن وعفوه. وهكذا فإن محاربة الفساد والحد من انتشاره يجب أن تكون أولوية أساسية لنمو أي اقتصاد، وفي ذلك فائدة لكل المجتمع وكل من فيه بمن فيهم المفسدون أنفسهم.

 
إطبع هذه الصفحة