الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :رمضانيات جدة القديمة
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة عكاظ
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 23/09/1434
نص الخبر :
لجدة القديمة طعم متميز على مدار العام، ولكن هذا الطعم يزداد حلاوة وتميزا في شهر رمضان الكريم وعيد الفطر المبارك. تزدحم الأسواق وتنتعش حركة البيع والشراء في كل مكان. لا يكتمل التسوق بالنسبة لأهالي البلد القدامى إلا بزيارة شارع قابل وسوق العلوي وباب مكة وسوق الخاسكية وباب شريف وسوق البدو والدكاكين الكثيرة المنتشرة على جانبي أزقة أحياء الشام والمظلوم والبحر واليمن. يدهشك احتفاظ البلد بجاذبيتها الكبيرة في هذا الموسم رغم صعوبة الوصول وقلة مواقف السيارات. تنتشر البسط في كل مكان زاخرة بكل أنواع حلوى العيد والعطور واللبان والعود والملابس والأطعمة والكماليات وحتى الكتب والتسجيلات الدينية. في الغالب تجد كل ما تحتاجه بعيدا عن الأسعار المبالغ فيها للماركات التي تتكرر في المولات الحديثة. الناس يرتاحون للمشي في الشوارع التي تخلو منها السيارات بما يصاحبها من ازدحام وأخطار وإزعاج وتلوث. ومن هذه الأسواق العتيقة نشأت فكرة المولات الكبيرة ونجحت لأنها أبعدت السيارات عن المشاة ومكنتهم من الحركة بهدوء وأمان. ولكن الأسواق القديمة احتفظت بأصالتها وتنوعها ورخص أسعارها بالمقارنة بالمولات الكبيرة، ولذلك ما زالت تتمتع بشعبية كبيرة لا تستطيع المولات الحديثة منافستها عليها، إضافة إلى اجتذابها للسياح الذين يبحثون عن عبق التاريخ. أذهب إلى جدة القديمة باستمرار لأراقب سير العمل البطيء في ترميم أحد المباني التراثية. يشدني منظر طاولات الطعام المعدة لفطور رمضاني بجوار برحة بيت نصيف التاريخي الذي أصبح متحفا عاما. كم هو مناسب أن تنتشر المطاعم والمقاهي في برحات جدة القديمة، ولكن يبدو أن ذلك بعيد المنال بسبب الإهمال الذي ما زالت تعاني منه المنطقة التاريخية. ألاحظ أن باب المتحف مفتوح، على غير عادته، و الكراسي مصطفة في ردهة الديوان الرئيسي. يتبين لي أن هناك سلسلة من المحاضرات المقامة على مدار عدة أسابيع، والتي تتناول شتى المواضيع التراثية والاجتماعية. أتندم على عدم حضور ما فاتني منها.
دورات المياه:
كان بودي أن أكمل بالحديث عن النواحي الجمالية لجدة القديمة، وهي كثيرة، ولكني أجد نفسي مدفوعا لتناول جانب سلبي أساسي لا يقبل السكوت عنه، وهو من المنغصات الرئيسة التي عكرت صفو زياراتي لجدة القديمة في رمضان الحالي وفي غيره من الأوقات. ذلك هو موضوع نظافة جدة القديمة بصفة عامة، وخصوصا فيما يتعلق بالصرف الصحي. تناولت عدة صحف بالصور موضوع الطفوحات التي عانت منها المنطقة القديمة مؤخرا، والتي عرقلت سير المارة والمتسوقين، بل حتى الزوار الذين حضروا للاستماع إلى المحاضرات في المتحف التاريخي. لا يبدو أن الموضوع يلفت انتباه شركة المياه، ولا نرى أي جدية في التعامل معه، رغم أنه تم إعادة رصف شوارع جدة القديمة قبل حوالي سنتين، وكنا نأمل أن يشمل ذلك حل مشكلة الصرف الصحي بشكل دائم، ولكن خاب أملنا. بالإضافة إلى طفوحات الصرف الصحي والتي تزيد وتهدأ، بالتزامن مع جدول وصول الماء إلى هذه المنطقة، هناك مشكلة أخرى مستمرة، هي مشكلة النقص الحاد في دورات المياه الخاصة في البيوت وغياب الدورات العامة تماما التي كان يمكن أن تغطي هذا النقص. أنا لا أتحدث هنا عن دورات المياه للسياح والزوار، فهذا مطلب بعيد المنال قد نطمح إليه مستقبلا، ولكني أتكلم عن الحاجة الماسة لسكان المنطقة أنفسهم من هذه المرافق. بيوت جدة القديمة تكتظ حاليا بأعداد كبيرة من الوافدين والمقيمين غير النظاميين الذين اتجهوا إليها بسبب رخص إيجاراتها. من الطبيعي أن هذه البيوت لم تكن مهيأة لإيواء هذه الأعداد، ما سبب الكثير من الحرائق الناتجة عن التوصيلات الكهربائية المرتجلة. أيضا من الواضح أن دورات المياه في هذه البيوت ليست كافية أبدا، ما يدفع بالنزلاء إلى قضاء حاجتهم في عتمة الليل في أزقة وزوايا المنطقة التاريخية. تصدمك الروائح الكريهة. هذه مشكلة لا يمكن تجاهلها أو إخفاؤها. تشعر بالحسرة على التعساء الذين تضطرهم ظروفهم إلى مثل هذا العمل الذي لا يقدم عليه إلا من يفتقد دورة المياه في مكان سكنه. تتساءل: أين أمانة جدة، وبلديات جدة التاريخية؟ أليس من أول شروط المسكن الصحي وجود العدد المناسب من دورات المياه التي تفي بحاجة سكان المنزل؟ هل فكرت الأمانة في تطبيق هذه الشروط على سكان جدة القديمة وإجبار الملاك أو القاطنين على توفير العدد اللازم من هذه المرافق كما هي الحال عند الترخيص لبناء منزل جديد؟ الإجابة طبعا واضحة، ومستغربة. لكي ننجح في إدخال جدة القديمة ضمن منظومة اليونيسكو للتراث العالمي يجب أن نحل مشكلة النقص في دورات المياه ومشكلة طفوحات الصرف الصحي ومشكلة النظافة عموما. رمضانيات جدة القديمة جميلة، ويمكن أن تكون أروع لولا هذه المنغصات التي يجدر بنا أن نزيلها تماما.

 
إطبع هذه الصفحة