الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :السلام ومنطق إسرائيل
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة عكاظ
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 21/09/1434
نص الخبر :
سنوات قليلة فصلت بين تأسيس الدولة العبرية عام 1948وبين قيام ثورة يوليو عام 1952 بمصر، وقد أدركت إسرائيل منذ نشأتها الدور الريادي لمصر، لذلك سعت منذ صعود الضباط الأحرار لسدة الحكم إلى استمالة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وخاصة مع ازدياد جماهيريته الشعبية في بقية الدول العربية، وحاولت عقد اتفاقية سلام منفردة معه خاصة أن الضفة الغربية كانت تحت وصاية الأردن وقطاع غزة كان تحت وصاية مصر، غير أن عبدالناصر شغلته أهدافه التوسعية ورغباته في تصدير الثورة المصرية عن إسرائيل ولم يهتم بها كثيرا، ولأسباب عديدة يصعب حصرها الآن هزمت مصر في عام 1967 وكانت نتيجة الحرب وخيمة على العرب، فقد احتلت إسرائيل سيناء بالكامل كما استولت على الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة، وتلى تلك الهزيمة انكسار للجيوش العربية زاد من استكبار إسرائيل التي بات السلام ورقة في يدها تتحكم بها كيفما شاءت، وغدا شعورها بالاستهتار بالعرب جليا، وهو ما تبدى في مذكرات جولدا مائير التي علقت على حرق المسجد الأقصى بقولها «لم أنم طوال الليل وكنت خائفة من أن يدخل العرب إسرائيل أفواجا من كل مكان، ولكن عندما أشرقت الشمس في اليوم التالي علمت أن باستطاعتنا أن نعمل ما نشاء، فهم أمة نائمة».
وبعد وفاة عبدالناصر حاول الرئيس السادات استمالة الولايات المتحدة لاستعادة سيناء، إلا أن رد كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي له وقتذ كان مخيبا للآمال حيث قال إنه غير قادر على فعل شيء طالما أن إسرائيل هي المنتصرة، وقد أدرك السادات وقتها أن عملية السلام تحتاج لدفعة قوية، لذلك أعلن صراحة أن الحرب مع إسرائيل قادمة لا محالة رغم معرفته جيدا بعدم قدرته على هزيمة الجيش الإسرائيلي الذي يفوقه قوة وعتادا، وهو ما أثار الاعتقاد بأن كلامه محض مراوغة فحسب، وقد أسر السادات لقادته العسكريين بخدعته، وهي أن الجيش المصري لا يمكنه استعادة سيناء كاملة، وإنما يستطيع أن يعبر قناة السويس ويتوغل في سيناء لمساحة لا تزيد على 12 كم فقط، وسيستخدم هذا النصر المحدود للحصول على تسوية سياسية عادلة يستطيع من خلالها إجبار إسرائيل على الجلوس على مائدة المفاوضات واستعادة سيناء، ورغم الإمكانيات المحدودة للجيش المصري وقتئذ فقد حقق العرب انتصارا عظيما، وتمكنوا من إجبار إسرائيل على الجلوس على مائدة المفاوضات وعقد معاهدة كامب ديفيد معها، والتي أعادت سيناء كاملة للسيادة المصرية.
لا يمكن أن ننسى بأي صورة من الصور أن السادات بدأ مفاوضات كامب ديفيد بملفات الأراضي المحتلة جميعها، إلا أن العرب وقتها رفضوا المعاهدة، مما أجبره على التفاوض على سيناء فقط وترك ملفات الضفة والقدس والجولان، المؤلم في الأمر أن العرب أدركوا بعد ذلك بسنوات أن المفاوضات هي السبيل الوحيد للحصول على حقوقهم، ولكن بعد فوات الأوان، فإسرائيل تريد فرض السلام بشروطها ولا يوجد لدى العرب أي ورقة للضغط عليها لتغيير ذلك، ولاشك أن إسرائيل تعلم جيدا الآن أن العرب متفرقون وبالتالي فهي صاحبة السيادة فيما تريده وما لا تريده، وقد أصبح الواقع على الأرض يزداد سوءا أكثر فأكثر كل يوم، وباتت معالم الأرض تتغير مع الازدياد المستمر في بناء المستوطنات الإسرائيلية على التراب الفلسطيني.
لقد رأينا خلال الأسابيع القليلة الماضية الجولات المكوكية لوزير الخارجية الأمريكي كيري في سعيه الحثيث لاستعادة عملية السلام وسط تعنت إسرائيل، والملاحظ أننا كعرب لا زلنا نتعلق بأهداب الأمل وكأننا غير واعين للمعادلة السياسية التي تحكم علاقتنا كعرب بإسرائيل، فلا مجال للسلام مع إسرائيل ولا يمكن بأي صورة من الصور أن تتنازل إسرائيل عن جبروتها ما لم تكن هناك قوة تستطيع أن ترغمها على فعل ذلك، وها هو ذا سيناريو حقبة السبعينات وقبل الانتصار العربي على إسرائيل يتكرر، فهل لنا أن نحاول فهم منطق إسرائيل للسلام ونتعامل معه كواقع؟ منطق أنه يجب أن نستعيد ريادتنا وقيادتنا لأنفسنا أولا قبل أن نحاول استئناف عملية السلام معها، فهذا هو منطق القوة.. ولذا يتحتم علينا أن نكون أقوياء بما يكفي.

 
إطبع هذه الصفحة