الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :حوسـة
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة عكاظ
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 25/08/1432
نص الخبر :
لا أدري لماذا شعرنا في الصيفية الراهنة، أنا وكثيرون غيري ممن أقابلهم وأتحدث إليهم، ولأسباب مختلفة، وكأننا في دوامة لا تنتهي من القلق والانزعاج، أو بتعبير آخر، كأننا في «حوسة» كبيرة. البداية أو السبب الرئيسي كان ولا شك الحملة الضخمة لتصحيح أوضاع العمال الوافدين بكافة أنواعهم. أخرج من المنزل فأفاجأ بأرتال البشر المنتشرين في المنطقة المحيطة بقنصلية بلادهم التي تقع بالقرب من منزلي وهي إحدى البلدان الأصغر التي تصدر العمالة إلينا. أغلب هؤلاء قضوا ليلتهم في الحديقة القريبة من السفارة ملتحفين العراء أو الأغطية البسيطة. عندما تفتح القنصلية أبوابها يتزاحمون في طوابير طويلة بانتظار الدخول. أما في بقية الوقت فهم يخلدون إلى النوم أو الجلوس على الأرصفة القريبة التي يجدون فوقها الظل. أتساءل كيف وصل بنا الحال إلى هذه المرحلة؟ لماذا سكتنا سنوات طويلة على مخالفي أنظمة الإقامة ثم صحونا فجأة ولم يعد لدينا صبر لتصحيح أوضاعهم بطريقة أكثر سلاسة وتنظيما وإنسانية؟ نفس الأمر ينطبق على أنظمة الكفالة: عدد كبير من البشر من مختلف الأجناس يعملون عند أشخاص غير كفلائهم. أيضا كيف سكتنا على الوضع ليتفاقم بهذه الصورة الكبيرة، ولماذا قررنا إصلاحه بهذه السرعة؟ وهل فعلا يمكن حسم الموضوع بالصورة التي نتخيلها؟ أتفهم تماما رغبتنا في توفير فرص العمل لأبناء الوطن، فهذا من واجبنا ومن حقهم علينا. ولكن الأسئلة تتكاثر ولا تكاد تنتهي: هل المواطن السعودي مستعد للعمل في كافة أنواع المهن الخدمية التي يشغلها الوافدون، مثلا كسائق للعائلة أو عامل نظافة أو حارس أو مزارع أو راعي أو خباز أو ميكانيكي أو عجلاتي أو سائق صهريج للصرف الصحي، وهل المواطنة السعودية مستعدة للعمل كخادمة أو مربية أو طباخة أو خياطة أو حتى مساعدة ممرضة؟ هل من الضروري أن نفرض عليهم مثل هذه المهن فرضا طالما أنعم الله على بلادنا من الدخل ما مكننا من استيراد العمالة لتغطيتها بحيث نتيح لأبنائنا وبناتنا فرص التعليم والعمل في مهن أكثر جاذبية وأعلى دخلا في مجالات التعليم والرعاية الصحية والهندسة والتجارة والاقتصاد؟ أليست حاجتنا الكبيرة والفعلية إلى العمالة الوافدة لخدمتنا هي التي خلقت الوضع الراهن من ارتفاع عدد الوافدين وأتاحت لهم أن يجدوا فرص عمل بل أجبرت الكثيرين على تجاوز شروط العمل النظامية ؟ ما ذا عن كل الانتقادات التي كنا نسمعها أو نتادولها عن نظام الكفالة ؟ هل ثبت لنا فعلا أنه الأفضل والوحيد حتى قررنا وقف أي مخالفة له بكل صرامة؟ هل سهلت الدولة إجراءات نقل الكفالة بالصورة المطلوبة حتى يتوقع أن يلتزم الجميع بتطبيقها بدقة؟ تذهب لنقل كفالة سائق فيقال لك إنه لا يمكن لك نقل كفالته لأنه من جنسية معينة، وتستعجب كيف يسمح لهذه الجنسية بالإقامة ولا يسمح لها بالعمل، أو لايسمح لك بنقل كفالته لأنك تجاوزت حاجتك من السائقين والخدم. وإذا كنت صاحب مؤسسة صغيرة ويعمل عندك عاملات على كفالة آبائهن أو أزواجهن يقال لك لا يمكن نقل كفالة هؤلاء. الذهاب إلى وزارة العمل أو الجوازات خلال الأشهر الماضية بدون أدنى شك شكل «حوسة» لا يعرفها إلا من ذهب بنفسه لتصحيح أوضاع عمالته. تتشابك الأمور وتصعب خاصة بالنسبة لأصحاب المؤسسات الصغيرة فيرتبط نقل الكفالات بتجديد شهادة الزكاة وتجديد ترخيص البلدية وتتساءل لماذا تربط هذه الأمور ببعضها البعض بهذه الصورة المعقدة؟ ألا ترى وزارة العمل مثلا أن اشتراط تجديد ترخيص البلدية قد يدخل المواطن في تعطيل وحوسة أكبر؟ ينتابك القلق من التهديدات المستمرة من فرض غرامات هائلة على المخالفين وعقوبات تصل إلى حد السجن. تتساءل: كيف يا ترى سيتحمل المواطنون مثل هذه الغرامات والعقوبات؟ الحوسة بالنسبة لي كان لها جوانب شخصية لكن على علاقة غير مباشرة بحملة تصحيح الأوضاع، حيث غادرنا السائق وزوجته الطباخة بعد أربعة عشر عاما. فجأة وجدنا أنفسنا أمام معضلات من نوع جديد لم نحسب حسابها. استقدام سائق وشغالة من نفس البلد لم يعد ممكنا بسبب صراع المفاوضات المستمر مع أكبر الدول المصدرة للعمالة. حتى الدولة التي تم التوصل معها إلى اتفاق لازالت بعض أمورها غامضة، مما يجعل الاستقدام في غاية البطء. العثور على سائق وخادمة وسط الحوسة التي وصفتها أعلاه الناتجة عن الحملة
«المباركة» يشبه المستحيل. من حسن الحظ أن ربة الأسرة لازالت قادرة على الطبخ وأنه لازال يمكنني ونحن في العطلة المدرسية استيفاء بعض مشاويـر العائلة الضرورية مثل التسوق لشراء الطعام أو الذهاب للعلاج، كما أنه ليس لدي مشكلة في حمل الأكياس السوداء لرميها في حاوية النفايات القريبة من المنزل. مع ذلك لا بد من «فزعة» من السائقين الذين يعملون عند الأبناء. أتساءل: أليست هذه فرصة ثمينة لنا إن كنا جادين في الاستغناء عن العمالة الوافدة، التي تقدر بمليون سائق في بعض التحليلات، أن نغتنم هذه الفرصة للسماح للنساء بقيادة السيارة؟ من الممكن أن نبدأ باللواتي يحملن رخص قيادة من دول أخرى ثم نتدرج وفقا للضوابط المناسبة. تستمر الحوسة لأناس كثيرين وبصور مختلفة، وندعو المسؤولين أن يحسوا بمعاناة المواطنين والمقيمين، كما ندعو الله عز وجل أن يلهمهم إلى أنسب الطرق إلى حل المشكلات بالحكمة والهوادة.

 
إطبع هذه الصفحة