الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :القرارات الخاطئة في اختيار المواقع غير الآمنة
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة المدينة
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 29/03/1434
نص الخبر :

ما التدابير اللازمة التي اتخذتها الشركة مع الجهات ذات العلاقة لضمان تلافي كل السلبيات والعوائق التي قد تعترض إنشاء المحطة في وسط مجرى مائي نشط؟

د. محمود إبراهيم الدوعان
التحدي لقوى الطبيعة والجرأة في اتخاذ قرارات قد تكون غير صائبة أمر غير محمود. فقد فاجأنا خبر ورد في جريدة المدينة في العدد الصادر يوم الاثنين 23/3/1434هـ في الصفحة الثالثة في تصريح لأحد المسؤولين في الشركة السعودية للكهرباء مفاده « بأن لا مخاوف من إنشاء محطة كهرباء في مجرى سيل بجنوب جدة» كما أشار المسؤول في نفس الخبر بأن إدارته تدرك السلبيات وعوائق إنشاء المشروع في هذا الموقع، وأنه تم دراسة المشروع من كافة الاحتمالات مع مختلف الجهات المختصة لضمان أداء متميز وآمن بحيث لا يؤثر مجرى السيل على المشروع على الإطلاق» .
وقد ورد في نفس الخبر أن المتحدث الرسمي باسم الدفاع المدني بجدة العقيد سعيد سرحان « نفى أن تكون لإدارته أي مسؤولية في تحديد موقع الأرض أو الكروكي المراد إقامة مشروع محطة توليد كهرباء عليه، مشيرا إلى أن ذلك يقع على عاتق الأمانة ولها قنوات خاصة في ذلك».
والأدهى من ذلك، هو ما ورد على لسان أهالي منطقة (المليساء) التي يراد أن يقام عليها المشروع أنهم حذروا المسؤولين في شركة الكهرباء من اختيار هذا الموقع لإقامة المحطة لأن هذه المنطقة تغمرها السيول خلال موسم الأمطار حسب قولهم، إلا أن الشركة تجاهلت تحذيراتهم وبدأت في عمليات التخطيط والحفر والردم لإنشاء المحطة على مساحة 2× 2 كم2.
ولأهمية هذا الموضوع وخطورته والذي يمثل تجاوزاً خطيراً للشركة في اختيار موقع غير آمن لإنشاء محطة حيوية ذات أهمية بالغة تكلف مئات ملايين من الريالات، في منطقة عالية الخطورة. وهذا الموقع الخطأ قد يعرض المنشأة لمخاطر السيول الكبيرة ذات فترات الرجوع المتباعدة واجتياحها لمجاري أوديتها الرئيسة خاصة مع التغيرات المناخية المتطرفة التي نعيشها الآن، وكميات التهاطل المطري الشديد الذي قد يعرض المنطقة كلها لمخاطر السيول.. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، نريد أن نعرف: ما التدابير والاحتياطات اللازمة التي اتخذتها الشركة مع الجهات ذات العلاقة والتي وافقت بكل أريحية على إتمام المشروع وضمان تلافي كل السلبيات والعوائق التي قد تعترض إنشاء المحطة في وسط مجرى مائي نشط؟
لدينا بعض التساؤلات التي نأمل أن تجيبنا عليها شركة الكهرباء، أولا: ما الجهات التي أبدت موافقتها على إنشاء المحطة في بطن وادٍ نشط معرض لاجتياحات السيول في أي وقت من الأوقات؟ ثانيا: هل تعلم الشركة ومسؤولوها بأن هناك أوامر صارمة صادرة من قبل وزارة الشؤون البلدية والقروية بعدم إنشاء المساكن، أو المجمعات الحضرية، أو المنشآت الحيوية في بطون الأودية، أو بالقرب من محارمها المعرضة لمخاطر السيول؟
حقيقة نحن نستغرب تعامل الدفاع المدني مع هكذا قضية وهو المسؤول الأول عن حماية الأرواح والممتلكات وسلامة المنشآت – وهو الذي يتحمل العبء الأكبر في مواجهة الكوارث والفواجع التي تحل بالأنشطة البشرية، ويبذل جهوداً كبيرة في التعامل مع الأحداث ، ألا يكون له الكلمة الأولى في المنع أو عدم السماح بإقامة أي منشأة في قلب الخطر، وإن كان المتحدث الرسمي للدفاع المدني قد تبرأ من المشروع بالكامل وألقى بالمسؤولية على عاتق الأمانة، ولكن هذا لا يعفي الدفاع المدني من أن يقف ضد هذا التوجه من أجل المصلحة العامة وأن يقترح البديل والموقع الأمثل الأكثر أماناً لتنفيذ المشروع، وأن يكتب الدفاع المدني مذكرة كاملة ترفع للجهات العليا في المنطقة لوقف مثل هذا المشروع.
المشكلة تكمن في أن كثيراً من المهندسين ومتخذي القرار لا يقدّرون مدى الخطر الداهم للسيول، ويقلل الكثير منهم درجة الخطورة خاصة للسيول الكبيرة ذات فترات الرجوع الطويلة التي قد تحدث في أي وقت من الأوقات. وقد مررنا بالتجربة لأكثر من مرة وأعتقد أن الجميع أدرك فداحة ما حدث سواء في جدة أو في تبوك، وأن على المسؤولين عدم التهاون بمخاطر السيول مهما كانت التدابير والاحتياطات المأخوذة بشأنها.
في عام 1407هـ اجتاح سيل عظيم وادي فاطمة وتصدى له سد وادي فاطمة الذي حجب كميات مهولة من المياه، ولكن مع شدة التهاطل، وزيادة الجريان زادت حجوم المياه وارتفع الماء حتى تخطى السد، ورغم فتح جميع البوابات كاد السد أن ينفجر ( حسب رواية وزارة الزراعة والمياه آنذاك) وأصبح السد يهتز من قوة اندفاع المياه وزيادة ضغط الماء على جسم السد، ولولا لطف الله وعنايته لانفجر السد وأهلك الآلاف من سكان ذلك الوادي، ومثال آخر في عام 1417هـ ، تعرضت محطة كهرباء وادي الليث ( المنشأة في بطن وادي الليث) لخطر اجتياحات السيول حيث غطّاها السيل بالكامل وأعطب جميع أجهزتها.
فهل نعتبر ونتخذ القرارات الصائبة حيال توطين المنشآت الحيوية التي تكلف الدولة مليارات الريالات في أماكنها الصحيحة الآمنة من أجل تنمية مستدامة في ظل حكومة راشدة تبذل الكثير من أجل إقامة مشاريع تنموية ناجحة تخدمنا إلى ما لا نهاية؟ فهل نحن فاعلون؟.

 
إطبع هذه الصفحة