الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :أنين أحرف "يعروبية"
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة الوطن
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 28/12/1433
نص الخبر :

هل تعرفونني؟ أشك في ذلك! فكيف يهجر من تذوق حلاوتي وأبحر بين أمواج بلاغتي؟! يعروبية من الألف إلى الياء، حدي سيف أبي ومعول جدي، بالغار كللت عزتي وكياني، وبشقائق النّعمان زينت عرشي وجعلت منه عنواني، مليكة على الأبجديات توجت نفسي، من يقوى أن يجاريني بحرف بشدة... بقصيدة عصماء... بديوان؟ أبحث عن خيال يسرح بي... يحملني إلى أجمل خزائن الغيمات فأمطره بأحرف.. بكلمات...بعبارات العزم والجد والعنفوان، كلمات أعرفها وتعرفني غرست في أعماق ذاكرتي... تاريخ حفرته في رواسي الجبال وفي نواة كل ذرة من ذرات تراب أرضي... مرفوعة الرأس، شامخة، ميّاسة... أتمايل مع نسائم الإبداع، مع ترنيمات العلم ورقصات ضياء الفكر... فكيف؟! كيف اليوم أمزق... أشوه...أغتال بأحرف غربية خرجت من صلبي...ومن رحمي؟!
هل تخليت يوما عنكم؟ هل تجنيت يوما عليكم؟ يا أحفاد يعرب لماذا التخلي...لماذا التجني! من حمل أفراحكم ومآسيكم، من نشر فكركم ومآثركم... يا أحفاد يعرب لم أبتعد عنكم يوما، فكيف اليوم تبتعدون عني؟!
كنت دائما الرفيق قبل الطريق، متى إذن تعلمتم القسوة، من ختم على قلوبكم بالنسيان؟! تشوه على أيديكم أبنائي، في اللفظ نشاز... في التصوير مسخ... كلمات متقطعة... أشلاء... بقايا فكر وخيال.. ومشاعر مفتعلة.. أقنعة مزيفة.. تلصقونها على واجهة أحرفي، أخاف أن يأتي يوم تصبح هي هويتكم و...تُخترقون، لا تفرقون بعدها بين الأصالة والتزوير... ويضيع منكم الطريق، لا يسمع لكم صوت ولا يعرف لكم عنوان... ثم من بعدها تقضون أجيالا بعد أجيال تبحثون عن جسر العودة...لكن بلا أبجديتكم ...لا عودة!
هل يطربكم الأنين؟ هل تعودتم على الألم فلم تعد آلام الغير تؤثر، هل خدرتكم المآسي، وهدتكم صور الموت واختنقتم بروائح التآمر والخيانات؟! ولكن... ما ذنبي إن كانوا يستخدمونني كوعاء يبثون من خلاله سمومهم عليكم، ما ذنبي إن كانوا يتقنون فن التركيب وتأليف الفتن ونشر الإشاعات؟ هل تتخلون عن أثوابكم التي تغطي عُريكم لمجرد أن لوثتها بقعة هنا أو أصابها عطب هناك؟! هل تتركون الأرض والعرض لمجرد أن مر عليها فاسد أو دنسها فاسق؟!
أنا ثوبكم الذي يستركم... أنا أرضكم التي تحمل بذوركم، أنا عرضكم ... أنا الجمال... أنا العبير...أنا العطاء...أنا الحقيقة وأنا الخيال... أنا الأصل والفصل وكل ما سواي مسخ وشواذ... أنا الفكر... أنا الدواة... وأنا القلم.
أنا "بر..سر...و..مر" وكل ما خرج من باطنهم... من تاريخ ومن كلمات، أنا "أبْجَدْ هوَّز حُطّي كلَمُنْ سَعْفَصْ قُرِشَت ثَخَدٌ ضَظَغ"... أنا ستة عشر ألف جذر وغيري لا يمتلك سوى بضع مئات! أنا الغناء .. أنا الثروة...أنا الذروة وغيري نقطة البداية! أنا أفراح المهد وأنا أحزان اللحد، أنا السؤال وأنا الإجابة، أنا السائل والمسؤول، أنا المد والشد والاسترخاء والسكون، أنا الوطن وأنا الهوية... فإلى أي هاوية تتسابقون؟!
مدوا أيديكم لأمد يدي، فلقد أتعبني الانتظار... اقتربوا مني لأقترب، ابحثوا عني في أعماق أرواحكم...في نبض قلوبكم... وفي بصمات أصابعكم... إن أضعتموني فكيف ستقرؤون أنفسكم ومسيراتكم على هذه الأرض؟ يا ويلي إن أتى اليوم الذي لا تتعرفون فيه على تراثكم وتاريخكم وعلمكم وعلمائكم إلّا من خلال أحرفهم... يا ويلي إن أتى اليوم الذي تحتاجون فيه إلى مستشرقيهم كي يفسروا لكم كنوزا كانت لكم... يا ويلي إن استمررت في الأنين ولم يصغ إليَّ أحد!
يعروبية الحد شرقية الأدمُعَ، أمد إليكم يديّ رغم أحزاني... هل أوصلت إليكم أنين صوتي...غربتي وهواني. ..هل تعديت حدود التمني والأماني؟
اقتربوا... واغزلوا من أحرفي سماء ليلتحف بها العالم، قد يهدأ ويشعر بالأمان... ومن فكركم انثروا البذور لتملؤوا الدنيا ضياء، ومن نسيج أرواحكم مهدوا الأرض لتفترش بعدها الإنسانية المحبة، ونملأ الدنيا تسامحا وخيرا وعطاء ...كفانا صياحا... كفانا بكاء... كفانا نواحا... ألم نؤمر بالسير والبناء؟ فلا تخافوا واقتربوا وانهلوا من خزائن معاجمي... من أنوار أسطري... إنما أحرفي مقدسة... كيف لا وقد توضأت من كلمات أقدس الكتبِ وأطهر الكلم المباحَ!

ميسون الدخيل

 
إطبع هذه الصفحة