الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :هـب
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة عكاظ
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 29/11/1432
نص الخبر :

قبل الإقلاع من الرياض كانت درجة الحرارة الخارجية 29 درجة مئوية. ولكن قبطان الطائرة الإيرباص أدخل في حاسوب الطائرة معلومة مبالغا فيها، وهي أن درجة الحرارة كانت خمسين درجة مئوية. وكانت دواعي هذه «الكذبة البيضاء» هي أن وزن الطائرة كان أقل من أقصى حد للإقلاع، وبالتالي فلم نكن بحاجة لكامل قوة المحركات الجبارة. أمر طائرته أن تفترض أن الحرارة الخارجية عالية، وأن تحمي محركاتها بتقليص الدفع الناتج عنها، وهذا الإجراء من الممارسات السليمة والمنطقية. ويمارس هذه «الأكاذيب البيضاء» آلاف قائدي الطائرات يوميا بشكل اعتيادي. وهذا الافتراض هو ضرورة للحفاظ على حياة المحركات، ولتخفيض استهلاكها للوقود، ولتقليل الضجيج الناتج عنها خلال عملية الإقلاع.
وهناك حاجة دائمة ومستمرة لتقويم الافتراضات التي نستخدمها يوميا. هب أننا استعملنا التكلفة الحقيقية للوقود في قرارات حياتنا. هل سنستمر في شراء السيارات الضخمة ذات المحركات العملاقة في تنقلاتها اليومية؟ تأملت في هذا السؤال أمام باب مدرسة أولادي هذا الصباح، وتخيلت آلاف الأحصنة الضائعة بداخل المحركات الجبارة التي تستخدم في توصيل أبنائنا للمدارس. كل سيارة تستخدم مئات الأحصنة التي لا نحتاجها لمشاوير المدرسة البسيطة، ومن خلالها تضيع آلاف الليترات من الوقود. ونعمة سعر الوقود الرخيص لا تبرر التبذير الناتج للطاقة. طبعا انتشار ثقافة السيارات العملاقة سيجبر العديد من الأسر على اتباع التيار الفكري السائد. وكأنها حرب التسليح النووى بين القوى العظمى. ولكن هذه الفلسفة لا تقتصر على تبذير الطاقة فحسب، فتأمل في كمية المياه التي نستخدمها يوميا وكأننا لا ندرك أهمية ندرة هذه النعمة الغالية. كون الدولة توفر المياه بأسعار مدعمة لا يبرر التبذير الذي نمارسه. هب أننا وقفنا وقفة تأمل لتقويم الممارسات الاستهلاكية اليومية، وهب أننا فكرنا في مصالح الأجيال القادمة، هل سنستمر في الأنماط الاستهلاكية السائدة؟ وللأسف أن البعض يعترضون على التقويم، سواء لأنفسهم أو غيرهم، بحجة أن هذه النعم هي من «حقوقنا» بدون أن ننظر إلى «واجباتنا». ومن هنا تتبلور أهمية مبدأ «الاستدامة». طبعا سيقول بعض المختصين فى المجال أن هذه الفكرة بدأت بنهاية عقد الثمانينيات الميلادية في أروقة مباني الأمم المتحدة عندما وضعت فلسفة استهلاكية تضمن مصالح الأجيال القادمة. والصحيح أن الفكرة بدأت في مكة المكرمة منذ أكثر من 1400 سنة، والمبدأ هو الاستخلاف وهو من روائع الإسلام. ولذا فمن يريد أن يتعلم أصول الاستدامة فلينظر في جمال وبساطة ما كتب علينا للتعامل مع نعم الله التي لا تعد. وهذا هو مصدر الاستدامة الأول والأهم.
أمنـيـــة
من أجمل الأسئلة التي أنعم الله علينا بالقدرة على طرحها في عصر المعلومات هي « ماذا لـو؟ » .. أتمنى أن نقف وقفات تأمل جادة حيال علاقاتنا مع أبنائنا وأحفادنا وجميع الأجيال القادمة. ماذا سنترك لهم؟.
والله من وراء القصد.


 
إطبع هذه الصفحة