الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :جنون العظمة
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة الوطن
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 27/11/1432
نص الخبر :

جنون العظمة!

الكل يريد أن يكون عظيما بلا مجهود وبلا تعب، ولكن هل هي عظمة الخدمة، تلك العظمة الخالية من أي اعتبار شخصي غير مصلحة الجماعة؟ كلا، إنها عظمة النرجسية والأنانية البحتة

جنون العظمة هل هو مرض يصيب فقط بعض المشاهير من قادة وغيرهم من الذين أتحفنا التاريخ والأدب والميثولوجيا بتواجدهم على مرالعصور؟! كلا فلقد مر على أناس يعتبرون أنفسهم فوق البشر لمجرد أنهم تبوّؤوا مركزا حتى ولو كان بسيطا، لا يقبلون الجدال أو الاعتراض، وفي عرفهم كل ما يتم إنجازه من أعمال يجب أن ينسب إليهم، لأن الأنهار لا تجري إلا لهم والشمس لا تشرق إلا من أجلهم، وتصبح كلمة "أنا" تلازم كل جملة فعلية يتكرمون بها على البقية، من أجل توسيع الآفاق وشحذ الهمم بقصص مفبركة، أو أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها تافهة، ولكن للأسف نجد الكثير يريد أن يكون مثلهم، يغضون البصر عن الوبر المتناثر ويركزون على الماديات والبرستيج التي بين أيديهم! فقاعات بشرية تتمختر بيننا والكل يملك دبابيس ولكن من يتحرك؟!
واليوم وبسبب تكاثر سبل الإعلام؛ أصبح الوضع لا يطاق، لا تفتح وسيلة إلا وتجد أحدهم يتبجح علينا بسيرته الذاتية، قوس قزح ولكن في نهايته لا يوجد أي كنز، بل دمار لمؤسسة أو شركة أو حتى أسرة، شباب يغلي يريد أن يقلد وليس أمامه سوى أهرامات مجوفة وقمم بلا أساس!
الكل يريد أن يكون عظيما بلا مجهود وبلا تعب، ولكن هل هي عظمة الخدمة، تلك العظمة الخالية من أي اعتبار شخصي غير مصلحة الجماعة؟ كلا، إنها عظمة النرجسية والأنانية البحتة. حينما نصغي لنداءات تطالبنا بالتفرد والامتياز والانتصارات الفردية، نصبح مشاريع كوارث بشرية تجر الويلات على مجتمعها الحاضن وقد يصل تأثيرها إلى البلدان المجاورة والبعيدة أيضا.
تجد أحدهم يلبس عباءة المصلح أو المفكر أو المثقف وحين تحك جانبا بسيطا تجد أنك تتعامل مع مجموعة قشور خرجت من قدر ضاغط، وإن تعرضت لعنصر من عناصر الحياة كالماء والشمس والهواء، تفسخت وفسدت! ما لا يستطيع أن يعيش في النور في الماء في الهواء مزيف، من لا يستطيع أن يتعامل مع عناصر الحياة فينمو ويزدهر ويظلل؛ هو باطل ولا يستحق منا سوى الشفقة والدعاء!
نعم نريد التميز، نعم نريد التقدم والازدهار، ليس خطأ أن نحلم وليس جرما أن نحدد أهدافنا ونسعى من أجل تحقيقها، ولكن الإثم كل الإثم أن نفكر كيف نجمع ليس من أجل العطاء بل من أجل حب المظاهر والتفاخر، ليس من أجل البناء والتعميير بل من أجل إنقاص ما لدى الآخرين من أجل أن يزيد ما بين أيدينا، ليس من أجل نشر المحبة والتعاطف والمودة، بل من أجل التفرقة والتشتيت لنظهر نحن ويختفي الباقون، ليس من أجل تخفيف الآلام والأحزان بل زيادتها وتعميقها من أجل أن تبقى المجاميع في حاجة إلينا، وليس العطاء بكرامة بل العطاء بمحاسبة ومذلة، ينكسون الرؤوس ليصعدوا، يقتلون الروح ليتسلطوا، يضربون الضعيف ليخاف القوي، وبين انشغالهم بهذا وذاك تضيع تيك الفضائل لتصبح نياشين تعلق على الصدور من أجل زغللة الأعين، ليصدقها الحامل والمحمول على الأكتاف، فطباخ السم يذوقه والكاذب من كثرة أكاذيبه يصدقها، ويستغرب إن حدث وبانت على أنها ليست الحقيقة، بل يسعى للبحث عمن أطلقها ليحاسب!
إن العظمة في التواضع.. في التفكير بالغير قبل النفس، أليست ربة المنزل التي تعمل على إسعاد وراحة أسرتها عظيمة، أليس من يزرع من يصنع من يُصلح من يبني عظيما؟! ماذا سنخسر إن سمحنا للنجاح أن يصبح من الآثار الجانبية، غير المقصودة، للتفاني في تحقيق قضية أكبر من الذات، ماذا سنخسر إن كانت عظمتنا بمن نحمل أو ما نحمل فوق أكتافنا من بشر أو مسؤوليات نبيلة لا ما ندوسه بأقدامنا، حتى الأرض التي ندوسها لها فضل علينا، نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى، أليست الأم والأب والولد، أليست الغذاء والدواء والكساء، أليست الأمن والعزة والكرامة؟ سمحت لنا أن ندوسها بأقدامنا ولكن لترتقي بنا، ولتحتضننا بين جنباتها حين نعود إليها، لا لنصاب بجنون ونتخلى عنها، ومن يتخلى عن أرضه يتخلى عن عرضه، وكذلك بالنسبة للحياة من يصعد على حساب الناس ويتخلى عنهم، سيقع ولو بعد حين، فهل نرى، هل نصغي، هل نعتبر، هذا إن كان لقلمي في قلوب البشر.. أثر.


 
إطبع هذه الصفحة