الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :وصايا الميت للاحياء
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة عكاظ
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 26/11/1432
نص الخبر :

وصايا الميت للأحياء

د. صالح بن سبعان

لا نظن أن العقيد الراحل معمر القذافي وشعبه كانا في حاجة إلى كل هذه المعاناة، أو في حاجة إلى هذه المأساة وما حفلت به فصولها الدموية من موت وخراب ودمار، إلا أن الكثير من الناس فيما يبدو يفتقرون إلى الحكمة ويعانون من فقدان الذاكرة المزمن وليس مجرد ضعفها. لقد سألت نفسي وأنا أتابع عبر الشاشات الفضائية الفصول الأخيرة لهذه المأساة التي انتهت بمشهد مؤسف ظهر فيه «عميد» الحكام العرب، و «ملك ملوك» القبائل الأفريقية، وهو مضرج الوجه والملابس بالدماء والغبار، وأيدي مقاتلي المجلس الوطني تتجاذبه دفعا وضربا، لينتهي جثة هامدة في عربة نقل صغيرة وقد فارقته الحياة. لا أدري لماذا قفزت إلى ذهني لحظتها صورة غير بعيدة للرئيس العراقي السابق صدام حسين مشابهة لصورة العقيد (غفر الله لهما). وقفز إلى ذهني سؤال: كيف لم يتعظ ويعتبر هذا بمصير سابقه؟. لقد رأى العقيد بعينيه وتابع مشاهد فصول الثورتين في مصر وتونس، ثم في اليمن وسوريا، ولا بد أنه استخلص منها درسا، كان هو العامل المشترك بينها، فهي أحداث معاصرة ولا تحتاج إلى قراءة في كتب التاريخ، فما أضر بسابقيه ولاحقيه سوى عدم اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. كان يمكن أن تنتهي أحداث مصر على نحو آخر لو أن الرئيس المصري السابق اتخذ قراراته بعدم الترشح والتوريث وغيرها من القرارات اللاحقة منذ بداية الاضطرابات، كما كان بإمكان ابن علي تشكيل لجنة تحقيق في الحادث الذي دفع بوعزيز إلى الانتحار حرقا ومعاقبة المسؤولين عن ذلك من منسوبي الجهاز الحكومي وينتهي الأمر بذلك، ولكنهما لم يفعلا ذلك فأخذت كرة الثلج تكبر.. والآن ترى الرئيس اليمني يفعل الشيء ذاته بتلكؤه في تنفيذ بنود المبادرة الخليجية التي ضمنت له طوق النجاة، وهو ذات السلوك السياسي للرئيس السوري، والخطأ هو ذاته لا يتغير «عدم اتخاذ القرار المناسب في التوقيت المناسب». شيء ما هنا يجعلك تسأل نفسك: لماذا يفشلون دائما في هذا، رغم أن السوابق التي عايشوها تؤكد بأن هذا هو الطريق الوحيد الذي يجنبهم مصير السابقين ممن كانت نهاياتهم مأساوية، ويجنب شعوبهم الفوضى والعنف الدموي، ويجنب البلاد تداعيات الفوضى وانفلات الأمن الذي يمكن أن يؤدي إلى تمزيقها وتفتت وحدتها؟!. دعك من الحديث المعاد والمكرر عن جنون العظمة وسكرة السلطة الذي يعشي الإنسان ويعمي قلبه رغم صحته، لأن الأمور حين تبلغ حدا من الخطورة يهدد حياة الإنسان نفسه وحياة أهله وعياله فإن هذا كفيل بأن يعيد إليه بعض رشده ليفيق من سكرته ويعود إلى أرض الواقع ويرى الأشياء على حقيقتها لا كما يريد هو أن يراها أو يتصورها، وهنا تحديدا مربط الفرس كما تقول العرب، لأنك ستسأل نفسك: ما الذي يجعلهم لا يرون ما يراه الناس وهو واضح؟ وما الذي يحول بينهم وبين الإفاقة من سكرة السلطة وفتنتها ليروا الواقع كما هو؟!. يبدو لي والله أعلم، ولكن هذا ما نشاهده في القيادات التنفيذية في كل مكان، أن الاعتماد الكلي على ما ينقله الموظف التنفيذي للمسؤول من صور حول واقع المؤسسة أو المرفق المعين دائما ما تشوبه شائبة من عدم المصداقية، لأن الموظف ينقل الصورة التي يريدها المسؤول ويتمناها.. فحرصه على وظيفته ومكانته يمنعه من أن يكدر صفو رئيسه بنقل صورة لا يرضاها أو لا يريدها، ومن ثم يكون المسؤول وصورته عن الواقع في وادٍ والصورة الحقيقية للواقع في وادٍ آخر، ليجد المسؤول نفسه في مواجهة النتائج لوحده.

 
إطبع هذه الصفحة