الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :أتربة
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة عكاظ
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 28/07/1432
نص الخبر :

 

د. طارق على فدعق

بدأت رحلتي على متن طائرة من طراز بوينج 777 وتأملت في سعرها فوجدت أنه يصل إلى حوالى 4000 ريال للكيلوجرام الواحد. وقارنت سعرها بسعر السيارة التي أرغب في شرائها وهي «اللاند كروزر» الجديدة فوجدت أن سعرها بالكيلوجرام الواحد يبلغ حوالى مائة ريال. وقارنت هذا وذاك بسعر سيارتي «الكامري» العزيزة التي يبلغ سعرها بالكيلو حوالى 50 ريالا فقط فوجدتها معقولة جدا. وكأنها «تراب الفلوس». وعلى سيرة الأتربة والأسعار بالكيلوجرام فهناك أخبار تستحق المتابعة من عالم المعادن. وتحديدا في عالم «الأتربة النادرة» وهي مجموعة معادن مبعثرة حول تربة الأرض وبداخل باطنها. والواقع أنها ليست نادرة بمعنى الكلمة ولكن صعوبة استخراجها يكسبها صفة الندرة. وتحتكر الصين حاليا استخراج هذه المعادن بشكل مخيف، لدرجة أن أكثر من 90 في المائة من العرض العالمي يأتي منها. وتتحكم تلك الدولة في الكميات المنتجة لدرجة أنها مصدر قلق لدول العالم الصناعي المتعطشة لهذه المعادن المهمة. وللعلم فأسعار بعض من تلك المعادن يصل إلى مستوى قريب من كيلوجرام «البوينج 777»..
ودعونا نعود لطرائف اكتشاف هذه العائلة المميزة من الأتربة النادرة. اكتشفها العالم «جادولين» في قرية حالمة اسمها «اتربي» على مشارف استكهولم في السويد في نهاية القرن التاسع عشر. وكان يعتقد آنذاك أنها جزء من التراب نظرها لوجودها في حالات «مؤكسدة» ومتفاعلة مع التربة في الكثير من الأحيان. لاحظ أن اسمها السويدي «اتربي» قريب من الكلمة العربية «أتربة». وكان الاكتشاف الأول لمادة أطلق عليها اسم «اتربيم» تخليدا لاسم القرية. وتبعتها مجموعة من المعادن من نفس العائلة مثل: إربيوم، وسيريوم، وسكانديوم.. الشاهد أن هذه العائلة المكونة من 17 مادة تتمتع بخصائص فريدة ومذهلة. تراها وتلمس منافعها في كل مرة تستعمل جوالك، وفي كل مرة تشحن بطارياتك، وعندما تنظر للتلفاز وترى الألوان الحمراء والزرقاء الجميلة، وعندما تلبس نظارات الشمس ذات درجة الحماية العالية من أشعة الشمس، وفي كل مرة تذهب فيها لإجراء أشعة رنين مغناطيسي في المستشفى، وفي العديد من تقنيات الإضاءة الحديثة، والحاسوبات المحمولة وغيرها من مئات الاستخدامات اليومية. ستجد المعادن التالية وراء كل ذلك: تانتالم، هافنيم، توليريوم، نيوديميوم، ثوليوم، سماريوم، وإخوتهم.
أمنـيــة
هناك ما هو أهم من كل ما جاء أعلاه فأتذكر عندما تشرفت بالمشاركة في دفن جثمان والدي ــ رحمه الله ــ في مكة المكرمة أنني شعرت بهيبة أتربة أم القرى المميزة. وتأكدت عندئذ أن لا مبالغة في أن تلك التربة النفيسة لا تقدر بثمن. وتذكرت أيضا أهمية تربة القدس الشريف التي تتعرض يوميا للإساءات. تلك الأتربة في الأراضي المقدسة التي شهدت وتشهد على ممارسات عنجهية الطغاة. أتمنى أن نتذكر دائما أن بعضا من أثمن النعم في حياتنا هي تحت أقدامنا.
والله من وراء القصد.



 
إطبع هذه الصفحة