الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :مكافآت الإعلام: حَشفٌ وسوءُ كَيلة
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة المدينة
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 27/07/1432
نص الخبر :
أ.د. محمد خضر عريف

كتبتُ قبل شهور قليلة في هذه الصحيفة الغرّاء مقالة عنوانها «إذاعة جدة: الريادة والمهنية». تحدّثتُ فيها عن حصول الإذاعة على جوائز عالمية مرموقة، وميداليات ذهبية من تونس، والقاهرة، والبحرين، وسواها، وأتمنّى أن نحافظ على هذا المستوى المرموق. وأزعم أن ضعف المكافآت بشكل لا يمكن تصوره، وتأخرها إلى ستة أشهر أو يزيد، يحول دون مشاركة كثير من أصحاب الكفاءات.
ومنذ ثلاثين عامًا أو يزيد أشارك -ولله الحمد- في مختلف وسائل الإعلام الوطنية، والعربية، فقد كتبتُ في زوايا ثابتة في صحف سعودية عدّة منها الندوة، والبلاد، والرياض، وعكاظ، ورياض ديلي، وأخيرًا هذه الصحيفة الغرّاء التي أكتب فيها بانتظام منذ أكثر من عشرين عامًا -ولله الحمد- إضافة إلى مجلات سعودية معروفة كاليمامة، واقرأ، وسواهما.
كما قدّمتُ -ولله الحمد- خلال العقود الثلاثة الماضية عشرات البرامج، ومئات الأحاديث في إذاعة جدة: البرنامج الثاني، ونداء الإسلام، والقرآن الكريم، والبرنامج الأوروبي بالعربية والإنجليزية، من تلك البرامج: العواصم الإسلامية وبحوث في اللغة والأدب، وأديب من بلادي، وشخصيات ثقافية مكية، وقاموس المعرفة (بالإنجليزية) وسواها ممّا ما عدتُ أذكره. وما زلت أقدّم «فرسان الكلمة».
والمقدمة السابقة ليس الغرض منها استعراض مسيرتي الإعلامية الطويلة، بقدر ما أهدف من وراء سردها إلى تأكيد أنني عاصرتُ إعلامنا السعودي على مدى عقود، وعملتُ مع رجال كبار عظماء، ونساء فاضلات كريمات، وكذلكم علمتُ علم اليقين أن المكافآت التي تُصرف لأصحاب المشاركات الإعلامية خلال ثلاثين عامًا مضت لم يطرأ عليها تحسن يُذكر، بل على العكس من ذلك تقلّص بعضها، ونقص عمّا كان عليه قبل عشرين عامًا مثلاً. وإن تكن المكافأة المالية ليست هي الحافز الوحيد لكافة المشاركين، فبعضهم يتمنّى الكتابة في صحيفة معينة، على أن يدفع لها من جيبه، بدل أن يتقاضى منها مكافأة، ولكن بخس الكتّاب والإعلاميين حقوقهم المادية يجعل الكثير منهم يحجمون عن المشاركة، وبالتالي تغيب عن الساحة الإعلامية عقول وأقلام بارزة يمكن أن يكون لها دور مهم في النهوض بالحركة الفكرية في بلادنا، إذ يصعب على الواحد منهم أن يمضي ساعات طوالاً في كتابة مقالة، أو تحرير نص إذاعي أو تلفازي، ويضع في ذلك كله عصارة فكره، ثم لا يتقاضى أجرًا على ذلك إلا دراهم معدودة، لا تختلف عمّا كان يتقاضاه هو نفسه قبل عشرين عامًا، مع تغيّر القدرة الشرائية، وغلاء المعيشة، وهلم جرا.
فعلى سبيل المثال، ما تزال بعض الصحف لا تزيد مكافأة الكاتب فيها عن المقالة الواحدة عن مائتي ريال، وليس ذلك فقط بل عليه أن ينتظر شهورًا طويلة قبل أن تُصرف له، وهي مكافأة لم تتحسن خلال عشرين عامًا مضت على الأقل كما أسلفت، كما أن بعض وسائل الإعلام المسموعة والمرئية مازال المشاركون فيها يتقاضون مكافآت عن الإعداد والتقديم، تعود إلى عقود مضت دون أي تغيير أو تحسين، وقد تصل بعض مكافآت التقديم إلى خمسين ريالاً فقط، وقد لا يتعدّى بعضها عشرين ريالاً، وهو أمر يبعث على الكثير من الأسف والأسى علمًا بأن هذه المكافآت تتأخر وما زالت إلى أكثر من ستة أشهر! ومن الأمور المهمة التي ينبغي التنبيه لها فيما يخص صرف مكافآت المشاركات الإعلامية أن بعضها ما يزال يصرف حتى وقتنا هذا عن طريق المسيّرات، والدفع النقدي كما كانت الحال قبل ثلاثين عامًا، أو أربعين عامًا، رغم أن الصرف الآلي أصبح أمرًا عاديًّا جدًّا في المؤسسات العامة والخاصة كافة، ولا نحتاج لأن ننوّه عمّا في الصرف النقدي من إشكاليات وأخطار، ناهيك عن وقوع الخطأ بشكل مستمر في إعداد المسيّرات، أو عد النقود، ويمكن القول بأن جميع الجهات العامة والخاصة قد استغنت عن هذه الطريقة منذ زمن بعيد؛ لما فيها من الصعوبات والإشكاليات، ومن باب أولى أن تستغني عنها المؤسسات الإعلامية كافة، أو أن تعمد هذه المؤسسات إلى إصدار شيكات كأضعف الإيمان.
التقيتُ، وألتقي باستمرار بعدد من الإعلاميين العرب في محافل ومؤتمرات دولية عدة، وسألتهم عن مكافآت الإعلاميين والمشاركين في الأعلام، وعجبتُ لكونهم يتقاضون أضعاف أضعاف ما يتقاضاه الإعلاميون في بلادنا، وأنا بالطبع لا أتحدّث عن دول الخليج العربية، بل أتحدّث عن دول مجاورة شمالاً وجنوبًا وشرقًا وغربًا، تعد دخولها متواضعة جدًّا إذا ما قورنت بدخول دول الخليج، ومع ذلك يحصل الإعلاميون فيها على حقوقهم المالية المجزية جدًّا، ويعجب الواحد منا حين يشارك في أي مادة إعلامية في تلك الدول، وتصله مكافأة أعلى بكثير ممّا يتقاضاه في إعلامنا. لقد آن الأوان لإعادة النظر في المكافآت الإعلامية كلها، والتفكير جديًّا في زيادتها، أو مضاعفتها، بعد أن مرت عليها عقود طويلة وهي: «مكانك سِر» وعلى الأخص مكافآت الإذاعة التي تزداد ضعفًا، وقد سمعتُ نداء من إذاعة البرنامج العام بالرياض للمثقفين والكتّاب للتقدم بمقترحاتهم الإذاعية للدورة الإذاعية المقبلة، ولا أعرف كيف يمكن أن يُقْدم المتميّزون على تقديم المقترحات في ظل الضعف غير المسبوق للمكافآت الإذاعية، وتأخرها، وأتمنى على وزيرنا المحبوب معالي الدكتور عبدالعزيز خوجة أن يحل هذه المشكلة المزمنة حلاً جذريًّا.


 
إطبع هذه الصفحة