الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :صهرجة
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة عكاظ
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 30/06/1432
نص الخبر :

 

 

كنا على وشك الهبوط في لندن قبل فترة، وعلمت أننا نحمل كمية وقود ضخمة جدا. أكثر من عشرين طن من الوقود كانت بداخل صهاريج طائرتنا البوينج. وهي كمية هائلة تكفي استهلاك سيارتي «الكامري» لمدة تفوق العشر سنوات تقريبا. وكانت تفوق أيضا احتياجات الطوارئ لرحلتنا الجوية في حالة بقائنا في الجو لمدة أطول من المخطط لها في الرحلة.. وهكذا الصهرجة.. والسبب هو حمل كمية كافية من الوقود لرحلة لعودة إلى مطار جدة لو أمكن. وهذه الفلسفة تطبقها العديد من شركات الطيران عندما يكون هناك تباين كبير في أسعار الوقود بين وجهتي سفر متتاليتين. مع العلم أن العديد من شركات الطيران الأجنبية تطبقها عند قدومها إلى جدة. أي أنها تهبط بكمية وقود كبيرة لتفادي شراء الوقود الغالي نسبيا في مطارنا. وللصهرجة أبعاد أخرى، فقد كانت محور إحدى أكبر المعارك التجارية في العالم. تزعمتها شركة بوينج الأمريكية من جانب، وشركة إيرباص الأوروبية من جانب آخر. ومحورها هو التجديد الكامل لأسطول الصهاريج الجوية في سلاح الطيران الأمريكي. الموضوع له جوانب مهمة وشيقة، فقد بدأ عام 1957 عندما جهزت الولايات المتحدة سلاحها الجوي بأسطول مكون من حوالى 416 طائرة ضخمة للصهرجة الجوية، وكانت مهمتها الأساسية هي تزويد الطائرات الحربية الأمريكية المختلفة بالوقود جوا بهدف تعزيز قدرات طيرانها لمسافات طويلة. وقد سمحت لبعض من طائراتها بالبقاء في الجو لفترات تسمح لها بما يوازي تغطية لفة كاملة حول العالم.
وبعد سنوات من التجديد ترهل ذلك الأسطول لدرجة لا تسمح بالترميم والتجديد. ووافقت الحكومة الأمريكية على شراء حوالى 179 طائرة جديدة للصهرجة الجوية. وكان المتقدم الأساس هو شركة بوينج التي تربطها علاقة متينة بوزارة الدفاع الأمريكية. ولكن شركة إيرباص الأوروبية دخلت في الموضوع من خلال طائرتها المطورة من طراز 330 بقوة فقلبت الموازين. ولم تكتف بذلك فقد أقامت دعاوى قضائية اتهمت فيها وزارة الدفاع بالتحيز لشركة بوينج ودعمها بطرق غير عادلة. ومن جانب اتهمت شركة بوينج وزارة الدفاع بتسريب العقود الدفاعية المهمة إلى شركات خارج أمريكا. وأصبح الموضوع يكاد يخرج عن طور «الأدب التجاري» الذي نتوقعه من الشركتين الرائدتين في مجال النقل الجوي في العالم اليوم بين اتهامات وادعاءات تطايرات عبر أروقة المحاكم. كدت أنسى أن قيمة العقد تصل إلى حوالى مائة وتسعين مليار ريال.. يعني مائة وتسعين ألف مليون ريال.. ما يكفي لبناء أكثر من 2000 مستشفى تخصصي حول العالم، وستزيد بعض «التفاريق». ويمكنك أيضا أن تطعم جميع فقراء العالم وجبة «طازج» شاملة البسبوسة لمدة حوالى ستة أشهر. وبالمناسبة، فقد فازت بوينج أخيرا بعد سنوات من العراك الشرس.
وبصراحة، وأثناء التأمل في هذا الموضوع اهتزت الأرض قليلا تحت قدمي ومر أمامي جسم برتقالي ضخم يسير بسرعة عجيبة، فذكرني بمستوى آخر من الصهرجة. وتحديدا فقد كان أحد «وايتات» صهرجة المياه الآسنة في مدينتنا، والذي أصبح من الأشكال المؤذية والمحزنة في جدة. حوالى ثلاثة آلاف «وايت» في مدينتنا تنافس كميات الوقود المصهرجة في أجواء أمريكا. وهي تذكرنا دائما بأحد الصراعات البيئية التي نعاني منها على الأرض. والمبدأ هنا هو «قل لي ماذا تصهرج، أقل لك من أنت». والله يسامح الذي تسبب في صهرجة المياة الملوثة في مدينتنا، والله يسامح من اختار اللون البرتقالي لهذه الصهاريج لأنه كان من ألواني المفضلة، ولكن أصبح من رموز الرعب البيئي. وسبحان الله أن هذا اللون أصبحت له دلالات أخرى غير محببه في ذاكرتنا فكان لون ملابس المعتقلين في معتقل «جوانتنامو».
أمنـيـــة
تم الإعلان عن نجاح طيران أولى طائرات الصهرجة الجوية والتزويد بالوقود جوا من طراز إيرباص 330 «أم ر تي تي» وهي الأحدث في العالم، والتي سيستلمها سلاح الطيران الملكي السعودي قريبا. وهذه أخبار تثلج صدورنا، ولكن أتمنى أيضا أن تتحقق وعود الجهات المسؤولة لإنهاء معاناتنا في مجال الصهرجة الأرضية الجداوية.
والله من وراء القصد.


 
إطبع هذه الصفحة