الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :مصالح ..!!
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة المدينة
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 29/06/1432
نص الخبر :
 
د. عبد الرحمن سعد العرابي

* يحدّثني بألمٍ وأسى، وهو في حالة إحباط يقول: «هل تصدّق أنني أصبحت لا أثق في شيء.. فكل شيء حولي تحوّل إلى نوع من أنواع اللامعقول.. كثيرون يبحثون عن مصالحهم.. وآخرون غير واعين لما يدور حولهم.. والجميع لا يتورع أبدًا عن سلوك مسالك مخالفة للمبادئ والقوانين الإنسانية»؟.
* وقبل أن أرد يواصل: «الصداقة، على سبيل المثال، لم يعد لها وجود.. فما هو قائم الآن مجرد مصالح، ومطامع شخصية.. بالأمس كانت هناك صداقات حقيقية يدفع فيها الصديق دم قلبه من أجل حماية ورعاية صديقه، أمّا اليوم فمعيارها مادي بحت.. إن وجد أحدهم لديك مصلحة، فأنت صديقه، وإلاّ الباب يوسع جمل».
* حاولت أن أوضّح لصديقي المحبط أن الدنيا بخير، وأن رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام وهو الذي «لا ينطق عن الهوى» يبشّرنا ويخبرنا بأن الخير في أمته إلى يوم القيامة، ونحن من أمته عليه الصلاة والسلام، فإن زاغ البعض وإن انحرف الآخر فالمجتمع غني برجاله، ونسائه، كريمي الطباع، أباة النفوس، شُمّ الجباه.
* في ردة فعل كمن مسّه جان ينتفض ويقول: «هذا كلام خيالي، يصلح للروايات والأفلام السينمائية.. أمّا واقع الحياة فهو بغير ذلك كلية.. يا أخي انظر حولك، وسيتأكد لك كلامي.. هل شعرت في يوم من الأيام أن أحدهم تقرّب إليك لذاتك فقط؟! وهل أحسست في يوم أن أحدًا نظر إليك بإعجاب وتقدير لقدراتك وكفاءتك؟ أم أن ما تسمعه حتى وإن كنت تستحقه فهو ليس سوى نفاق، ومجاملة زائدة، وسعي إلى تحقيق أغراض شخصية لا أكثر ولا أقل»؟
* ولمّا أوضحتُ له أن في حديثه تعميمًا، وأن ذلك غير دقيق، فليس كل الأشخاص يملكون السلطة، أو النفوذ، أو الجاه، أو المال حتى يكونوا مكان ود وهدف لهذا أو ذاك، فرد بثقة: «لك الحق أن تكون متفائلاً كما كنتُ أنا في أعوام مضت، ولكن ما أقصده هو حتى وإن لم يمتلك الإنسان شيئًا من حطام الحياة، سُلطة، أو مال، أو جاه، إلاّ أنّ الآخرين يريدونه مسليًّا، أو أرجوزًا لهم، أو رقمًا يزيد عدد الحاضرين فقط لا غير. أعرف أن ما أقوله صادم لك، ولكنها الحقيقة.. فالمجتمع للأسف اختلّت موازينه، ومعاييره، وإلاّ لما كانت لدينا كل هذه المشكلات، ولما كنا حتى هذه اللحظة نبعد مسافات فلكية عن المجتمعات المتحضّرة علمًا، وسلوكًا، والتزامًا».
* لم أدرِ ما أقول له سوى السعي إلى إزالة جزء من سوداوية الرؤية التي ينظر بها إلى مجتمعه، ومحيطه العام، ولكني بعد أن تركته أخذتُ أفكّر في كل كلمة قالها، وأضعها في معيار التشريح المنطقي، فوجدت كثيرًا ممّا قاله ينطبق انطباقًا كليًّا على طبيعة ونوعية العلاقات المجتمعية في أيامنا هذه. والمؤسف أن خلل العلاقة لم يقتصر على الصداقات، والزمالات، والسلوكيات العامة، بل تعداها ليصل إلى العلاقات الأسرية ذاتها، فأحدث فيها شروخات وانكسارات إن لم يتم تداركها الآن من قِبل الجهات والمؤسسات المعنية بالدراسات العلمية الدقيقة، والتزامها كحلول فإن المستقبل قد يكون بمثل سوداوية رؤية صديقي، وحينها الله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
aalorabi@hotmail.com


 
إطبع هذه الصفحة