الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :تعرَّفوا على كليات المجتمع.. مرة أخرى
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة المدينة
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 29/06/1432
نص الخبر :
أ.د. إبراهيم كتبي

كلية المجتمع ليست بدعة تعليمية عندنا لتكون زيادة عدد، ولا اختراعًا لنا دون العالم، بل نموذجًا للتعليم الصحيح والمطلوب، بدأ في العالم منذ زمن بعيد، ولا أبالغ إن قلت إننا تأخّرنا في تطبيقه بعد أن تشبّع سوق العمل -على مدى عقود- بالعمالة الوافدة في شتّى التخصصات المهنية والحرفية، وكنا نتلفت يمنة ويسرة، ونصبح ونمسي، فلا نجد غير العمالة الوافدة في سوق العمل على امتداد المملكة، وكأنه ليس في هذا البلد شباب وخريجون من أبنائه قادرون على العمل، بل ذهب بعضنا بعيدًا -وعلى مدى عقود أيضًا- إلى حد اتّهام خريجينا أنهم لا يحبون أن يعملوا، وإنما يدمنون حب الراحة والمال السهل، وعليه تشابكت الأوراق بسبب المسافة بين التعليم ومتغيرات سوق العمل. وكما قلت في المقال السابق، بدأت كليات المجتمع في الولايات المتحدة -وهي الدولة الأعظم- منذ أكثر من قرن، وعقد من الزمان، لتغذي ماكينة تقدمها الهائل والمستمر بالكوادر المطلوبة، ولم تغفل عين النظام التعليمي هناك عن أهمية كليات المجتمع.. ولا المجتمع الأمريكي نفسه ابتعد عن هذه الكليات، وقد يعجب البعض عندما يعلم أن الكثير من الشخصيات الأمريكية المرموقة، ومنها حكام ولايات، ومشاهير في السياسة والاقتصاد هم من خريجي كليات المجتمع هناك، وهذا معروف لكل مَن يلم بتاريخها في العالم، ويكفي أنها تستقبل نحو 45% من إجمالي الطلاب الأمريكيين المتقدمين للمرحلة الجامعية، و(100) ألف دارس من الدول الأخرى، ممّا يدل على الدور الحيوي لها في التقدم الأمريكي، وحركة الاقتصاد، وماكينة الإنتاج، والمشاريع الصغيرة. صدّقوني لا أقول ذلك من باب الإعجاب بهذا النموذج، وهو يستحق الإعجاب والاحترام معًا، لوضوح الرؤية من الحكومة والمجتمع الأمريكي معًا في هذا الجانب.. وإنما أذكره لحث مجتمعنا على الاستفادة من نماذج ناجحة، فنحن نستورد الكثير والكثير من السلع باهظها وزهيدها، فلماذا لا نستفيد من تلك التجارب في استثمار مواردنا البشرية، في الوقت الذي نتعلق فيه ببصيص أمل نحو علاج جاد للبطالة؟ فمن خلال الإقبال غير العادي على كليات المجتمع في دولة عظمى ورائدة التقدم في العالم كالولايات المتحدة، وبين العزوف عنها عندنا، نعرف مدى خطأ نظرة المجتمع المستميتة على الشهادة الجامعية حتى لو كان في تخصصات مصنّفة ضمن قائمة المجالات الأكثر بطالة.. بينما لدينا ندرة بشرية وطنية في تخصصات مطلوبة بإلحاح، وتوفرها كليات المجتمع لكنها تحتاج لمحفّزات. اليوم تستعد الأجهزة المعنية في الدولة لصرف الإعانات لطالبي العمل، وستكون مشروطة بدورات التدريب، وهي خطوة إيجابية تضمن مردود الإعانة، لكن السؤال: أليس بين هؤلاء عشرات الآلاف من العاطلين كانوا يتحصّلون على مكافآت لأربعة أعوام خلال الدراسة بالجامعات، بينما كليات المجتمع تقدم خريجيها مباشرة إلى سوق العمل بعد عامين وبتخصصات مطلوبة مدعومة باللغة الأجنبية، ويحملون شهادة معتمدة، ومتسلحين بالتدريب، ومع ذلك لا يحظى طلابها بمكافآت تشجيعية، ومحرومين من السكن الجامعي، وهذا هو الخلل المطلوب إصلاحه من وزارة المالية لتتويج الدعم الكبير من وزارة التعليم العالي لكليات المجتمع، والاهتمام بتطويرها من حيث الإمكانات والمناهج والبرامج. هذا يقودني إلى الإشارة بإيجاز إلى أسباب ضعف الإقبال على كليات المجتمع رغم جدواها الحقيقية:
- تناقض ثقافة الأسرة والمجتمع، والتي ترى الفوارق في مستوى خريجي وخريجات الثانوية العامة دون التوجيه إلى التعليم المناسب، وإنما الإصرار على كليات جامعية وتخصصات غير مطلوبة يقضون فيها أربع سنوات، ومثلها أو يزيد دون عمل بعد التخرج.
- تجاهل وسائل الإعلام لأهمية كليات المجتمع، وتركيزها على التعليم الجامعي كموسم سنوي تساير فيه المجتمع، ولا تسهم في ترسيخ نظرة محفزة تجاه هذه الكليات؛ ممّا يعطي انطباعًا بأنها أقل أهمية، وهذا خطأ وخلل كبيران يعكسان غياب الرؤية الإعلامية تجاه قضية التنمية البشرية برافديها «التعليم والعمل».
- عدم وجود مكافأة لطلاب كليات المجتمع، وهو ما سبق وأشرت إليه ممّا يجعل خريج الثانوية العامة ينظر لمكافأة الكلية -أي كلية- بالجامعة كهدف قريب أهم من مستقبل وظيفة مضمونة لاحقًا، فلسان حاله يقول: «عصفور في اليد خير من عشرة على الشجر». فلماذا لا يُصحح كل هذا الخلل؟!.. للحديث بقية بإذن الله.


 
إطبع هذه الصفحة