الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :الدور العلمي والفكري والثقافي لمدرسة العلوم الشرعية وطيبة الثانوية في التاريخ المعاصر
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة المدينة
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 30/02/1430
نص الخبر :
الأربعاء, 25 فبراير 2009
أ.د. عاصم حمدان

* لم تكن دار العلوم الشرعية التي تأسست سنة 1340هـ في المدينة المنورة على يد الرائد السيد أحمد الفيض آبادي والتي أدارها فيما بعد ابن أخيه السيد حبيب محمود أحمد - أحد أبرز الشخصيات الإدارية والفكرية - في العصر الحديث وكذلك طيبة الثانوية التي تأسست سنة 1362هـ وكانت ثاني المدارس الثانوية تأسيساً في المملكة -أي بعد تحضير البعثات التي أضحت تحمل فيما بعد اسم ثانوية الملك عبدالعزيز، نعم.. لم تكن هاتان المدرستان شأناً عادياً أو تقليدياً في تاريخ الحركة العلمية والفكرية في بلد المصطفى صلى الله عليه وسلم فلقد كان كل من المدرستين يحتوي على مكتبة بأمهات الكتب في مختلف العلوم والفنون النظرية منها والتطبيقية وكان في العلوم الشرعية شعبة خاصة لتعليم القرآن، ودرّس فيها الصفوة من كبار المجودين لكتاب الله، كما كان بها قسم لتعليم الصناعات اليدوية، كما اشتهرت بقسمها العالي في علوم الدين واللغة العربية وآدابها، وفي رحاب هذه المدرسة تفتحت مواهب شخصيات علمية وأدبية شاركت في بناء النهضة العلمية والفكرية والأدبية والإدارية في الوطن مثل المشايخ والأساتذة: محمد علي الحركان، محمد عمر توفيق، عبدالمجيد حسن جبرتي، عبدالقدوس الأنصاري، محمد الحافظ، عبدالعزيز الربيع، عمر محمد فلاته، ماجد أسعد الحسيني، أحمد رضا حوحو، إبراهيم غلام، محمد هاشم رشيد، عبدالرحمن عويضة، صالح فضائلي، عبدالفتاح أبو مدين، أسامة عبدالرحمن عثمان، جعفر سبيه، عبدالله عمر برِّي ياسين، وحسين هاشم، علي محمد حسون، علي بن محمد التركي، أحمد عبدالمحسن الخيال، عبدالعزيز بن ناصر التركي، أحمد زكائي، غازي عوض الله، عدنان جلّون، محمد علي خيمي، محمد علي إبراهيم، يوسف ميمني وغيرهم: انظر: (مدرسةالعلوم الشرعية، د. محمد العيد الخطراوي، ط1، 1411هـ - 1990).
واشتهرت طيبة الثانوية بأنها شهدت ولادة أول مسرح في المدينة المنورة، وقد يكون من أوائل المسارح في بلادنا وكنّا نتسابق قبل أن تضمنا وتحتوينا هذه المؤسسة العلمية العريقة إلى مشاهدة المسرحيات التي تعرض في هذا المسرح، ويتساءل المرء أين نقف -اليوم- من هذا الفن العريق الذي يرتقي بالعقول والنفوس ويهذبها وتنعكس من خلاله آمال النفس البشرية وآلامها، ويوضح الناقد الدكتور محمد مندور دور المسرح في الحياة فيقول: (فإذا كان المسرح الكلاسيكي يهدف إلى معالجة مشاكل الإنسان في عمومها وباعتبارها مشاكل نابعة من الطبيعة الإنسانية الموحدة وملازمة لتلك الطبيعة في كل زمان ومكان، فإن المسرح الرومانسي قد ابتدع ما يُسمى باللون المحلي الذي تتلون به الطبيعة البشرية في البيئات والأزمنة المختلفة وساعد على ذلك أنه لم يلتزم اختيار موضوعات مسرحياته من تاريخ اليونان والرومان أو أساطيرهم على نحو ما فعل المسرح الكلاسيكي، كما أنه لم يخضع مسرحياته لأحكام العقل أو مقتضيات المنطق والتفكير، بل كثيراً ما يطلق العنان للعواطف التي إذا كان لها منطق، فإنه يختلف عن منطق العقل على نحو ما قال المفكر الفرنسي الشهير باسكال: (إن للقلب أسباباً لا يعرفها العقل) (انظر: المسرح، د. محمد مندور، دار المعارف، ط3، ص: 65-66).
* وإذا كانت العلوم الشرعية شهدت في الحقبة التي درّسنا فيها معلّمون من طراز فريد ونادر من أمثال الأساتذة الكرام:
عبدالرحمن عثمان - والد الشاعر أسامة عثمان وإخوته- وكان شاعراً ومجيداً للغة الإنجليزية قراءةً وكتابة- وأخيه الأستاذ أحمد عثمان، ورجب أبو هلال ، وعمر عينوسة، وبكر آدم المتخصص أيضاً في علوم العربية وآدابها - وحمزة حوحو، شقيق الأديب المعروف أحمد رضا حوحو، والذي تخرج في العلوم الشرعية وعمل سكرتيراً لمجلة المنهل إبان صدورها في المدينة سنة 1355هـ ونشر هو وزميله محمد عالم أفغاني العديد من الأعمال القصصية والتي شكلت بداية لهذا الفن الأدبي في بلادنا، وكذلك الأساتذة حبيب خليل الرحمن وسليمان سمّان وعاشور المشهراوي، وغيرهم.
* فإن طيبة الثانوية: شهدت على امتداد تاريخها الذي يقترب من سبعين عاماً، شخصيات علمية تولت تدريس الأجيال فيها، من أمثال: فضيلة الشيخ محمد الأمين الجكني الشنقيطي، والشيخ الأديب محمد سعيد دفتردار وعبدالحميد الأصيل، وخالد الجر، وصالح حبيب وعبيد كردي، وضياء علوي شقيق الشيخ علي علوي الأمين السابق لمكتبة عارف حكمت ومدرس اللغة الإنجليزية (إفتاب) والدكتور محمد العيد الخطراوي ومحمد الرويثي ومحمد علي إسكندراني وغيرهم، إلا أنه يبقى مع التقدير لكل الشخصيات التي تلقت على يديها الأجيال المتتابعة في طيبة الثانوية فيضاً من العلوم والفنون والمهارات نظرية كانت أو تطبيقية، تبقى شخصية الأستاذ والمربي أحمد بو شناق الذي قام بالتدريس فيها لمدة من الزمن ثم مديراً لها لمدة ربع قرن من الزمن 1362-1394هـ تبقى شخصية محورية في تاريخ المدرسة: ولقد كرّمه طلابه ومريدوه وفي مقدمتهم معالي الدكتور غازي عبيد مدني بإصدار كتاب تذكاري عن حياته وفلسفته في التعليم، وشارك عدد من تلامذته بالمساهمة في الكتاب من خلال شهاداتهم عن هذا المربي الذي يشهد له تلامذته، بسعة الصدر، وعفة اللسان، وتهذيب القول وحسن السلوك واستقامته، وأجتزئ هنا سطوراً من شهادة الأستاذ الدكتور عزت عبدالمجيد خطاب أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة الملك سعود والأكاديمي المعروف (كان يحدثنا كأنه صديق يثير فينا الفضول للاستزادة وكنّا نطلب المزيد، حتى تمنينا أن يستمر الدرس اليوم كله وقد ظهر لنا الأستاذ البشناق بصورة لم نعهدها فيه -صورة العالم الذي يعرف في كل فن المتضلع في كل جانب من جوانب المعرفة، لا سيما ما يتعلق بالعالم المتحضر وحاجتنا إلى اللحاق بركب الحضارة والتحديات التي نواجهها في الطريق.. لقد امتدت آفاق أخيلتنا في ذلك الدرس امتداداً كبيراً، كلٌّ حسب قدرته وأدركنا ربما لأول مرة أن العلوم والمعارف الإنسانية مرتبطة بعضها البعض وأنها تنتظم في إطار ما يسمى الإطار الحضاري. انظر: رسالة وفاء وقصة نجاح: د. غازي عبيد مدني، د.كمال عباس توفيق، مطابع مؤسسة المدينة، دار العلم، 1413هـ- 1993م، ص137.
* أشعر بأني لم أقل إلا القليل عن رحلتي العلمية المتواضعة في طيبة الطيبة بين العلوم الشرعية وطيبة الثانوية، ويبقى فيض المشاعر والأحاسيس إزاء البلدة التي فتحت ذراعيها بكل حب وصدق للحبيب صلى الله عليه وسلم مهاجراً، واحتضنته تربتها المباركة عند لحوقه بالرفيق الأعلى تبقى طي نفس سؤول، ولكم سارت الركبان تطوي فيافي الأرض لتلقي السلام على المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه رضي الله عنهما في أدب وسكينة ووقار، ولكم أنشد المادحون وترنموا (باسمه وذاته الشريفة متولهين، وعرجت أصواتهم إلى عوالم الملكوت والحب والسلام، وصدق الشاعر الذي أوقف حياته على مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث يقول في همزيته:
كيف ترقى رقيك الأنبياء
يا سماء ما طاولتها سماء
فعله كله جميل وهل
ينضح إلا بما حواه الإناء
النبي الأمي أعلم من
أسند عنه الرواة والحكماء
ليته خصني برؤية وجه
زال عن كل من رآه الشقاء
سُترَ الحسنُ منه بالحسن فاعجب
لجمال له الجمال وقاء
فَإذا شِمْتَ بشره ونداه
أذهلتك الأنوار والأنواء
إن يكن عظم زلتي حجب رؤياك
فقد عز داء قلبي الدواء
كيف يصدأ بالذنب قلب محبّ
وله ذكرك الجميل جلاء


 
إطبع هذه الصفحة