الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :ثقافة سوء الظن
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة المدينة
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 30/02/1430
نص الخبر :
الأربعاء, 25 فبراير 2009
أ.د. إبراهيم إسماعيل كتبي

ما أن يصدر قرار يتعلق بجانب من عمل المرأة تحتاجه ويحتاجها المجتمع ، سرعان ما نقسم بين رافض ومنتقد ومعطل وبين مؤيد ومشجع ، بقليل من الموضوعية وكثير من التهجم وأحيانا التطاول الذي يعكس مشكلة ذاتية وليست في القضية نفسها ، وبهذا الانقسام لا نعطي أية فرصة لتجربة بأن تأخذ وقتها لتنضج وتتطور وتثبت نجاحها أو فشلها ، وكلما أثير أمر يتعلق بالمرأة تطفو على السطح مخاوف وشكوك واتهامات وكأن على المرأة السلام وستصبح قيمنا وأخلاقنا في خبر كان .
الأمثلة كثيرة ومن ذلك قرار تأنيث محلات بيع الملابس النسائية وغيره. وبغض النظر عن التأييد أو الرفض ، تنطلق آراء بسوء الظن تجاه المرأة ، مع أن أي قرار يصدر ينبع أساسا من صدق النية وتوخي المصلحة العامة . فالمشكلة في الثقافة الاجتماعية تجاه المرأة حيث تقوم كما قلت على افتراضات سيئة ، وتغلق الباب أمام الآخر - شخصا أو رأيا أو قرارا - فتضيع أمور كثيرة ومصالح أكثر. ولو حدث ذلك مع تعليم المرأة قبل عقود طويلة ، لما كانت اليوم آلاف المعلمات السعوديات يعلمن بناتنا وطبيبات يداوين نساءنا ، وغير ذلك من دور وفق الضوابط التنظيمية المعروفة.. كما أن وجود أخطاء وانحرافات فردية يجب ألا نجعلها كالعصي في دولاب تطور المجتمع واستثمار طاقاته بالخوف والريبة وافتراض سوء العواقب.
عموما هذا ليس موضوعنا وإنما أردت به أن أدلل على تغلغل سوء الظن تجاه المرأة في كل شيء ، ويتربى الأبناء على ذلك ، وكثير من الأسر تدفع ثمن سوء الظن والشكوك ، وإن أردنا تجميل المصطلح نقول الغيرة المدمرة ، فتهدمت بيوت وضاع أبناء ، فإذا لم يأتِ الشك من جانب الرجل تكون شكوكه تجاه المجتمع بالنسبة لزوجته وبناته مفترضا سوء الظن وسوء الأخلاق ، ولا يدري أن هذا ينطبق عليه أيضا من الآخرين . وهذا الإصرار جعل مجتمعنا محل اتهام بأنه غير منشغل سوى بالمرأة بين إفراط في التهميش كإنسانة شريكة أو تفريط في الغريزة كجسد.
فالسائد أن المرأة أصبحت في منظور المجتمع بمثابة شيطان مع أن الخطأ من المرأة يقابله نفس الخطأ من الرجل والعكس صحيح أيضا ، لكن البعض يصر أن ينظر لدور المرأة وحياتها بهذا المنظار غير الطبيعي أينما كانت وأينما ذهبت ، مع أن الأساس هو حسن الظن في كل الأمور حتى يثبت العكس وفي حدوده الفردية ، وتلك الثقافة الحياتية الخاطئة أنتجها غلو ، وأفرزت بدورها غلواً فتح أبوابه لأخطاء وأخطار .
لقد تغير نمط الحياة وأساليبها في مجتمعنا مثل غيرنا اعترفنا بذلك أم أنكر البعض ، والأخطاء الأخلاقية موجودة عندنا وعند غيرنا ، لكن لا تزال الكثير من الضوابط موجودة ونحمد الله عليها ، فيما المشكلة تنحصر في تغليب سوء الظن الذي لا تستقيم معه الحياة الفردية والأسرية والعامة.. وإذا افترضنا الفساد في المسؤول والموظف فلن تنجز أعمال ، وإذا قدمنا سوء الظن بالمرأة وبأخلاقها فلن تخرج ، ومع ذلك الحياة تسير ونشغل أنفسنا بافتراضات تعكس مأزقا حقيقيا.
أما المثال الطبيعي المناقض لذلك فهو طالباتنا اللاتي يدرسن في الخارج لنيل الشهادات العليا في تخصصات مطلوبة ، وزوجات يرافقن أزواجهن هناك ، وكلهم يعيشون حياة طبيعية دون شعور بثقل سوء الظن الذي نغوص فيه هنا رغم أنهم في مجتمعات منفتحة بدرجة كبيرة .
بطبيعة الحال حسن الظن لا ينفي وجود من ينحرف عن جادة الصواب في أخلاقه وفي عمله ، وتجاه المرأة ، وللأسف يسامح المجتمع أخطاء الرجل ويتغافل عنها لكنه غير ذلك مع المرأة مع أنهما طرفا أي مشكلة أو انحراف. لذلك نحتاج إلى ثقافة أكثر حكمة خاصة تجاه المرأة حتى نملك القدرة على تصحيح الواقع والمتغيرات ، لا كمن يتوهم أن بإمكانه حجب الشمس ، ويعطل الحياة بزوايا ضيقة تعكس موروث استضعاف المرأة ومغالاة في مبدأ سد الذرائع ، وهي أزمة متجذرة تجاه ( الآخر ) حتى فيما بيننا.


 
إطبع هذه الصفحة