الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :الضروري والكافي في إصلاح التعليم
الجهة المعنية :التعليم العالي
المصدر : جريدة المدينة
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 30/02/1430
نص الخبر :
الأربعاء, 25 فبراير 2009
عبد المحسن هلال

درج كثيرون على تسمية وزارة المالية في البلد، أي بلد، بالوزارة الأم، ربما لأنها الممول المالي الرئيس، وأحيانا الوحيد، لموازنات ومشاريع بقية الوزارات، بينما يرى آخرون أن الأحق بالتسمية وزارة التعليم الممول الأهم لمن سيدير ويقود وينفذ تلك المشاريع، هي من تعد رأس المال البشري الذي أصبح أهم عنصر إنتاجي في العصر الحديث. كل دول العالم تولي التعليم جل اهتمامها وتصرف عليه جل ميزانياتها فهو قلب تنميتها وشريان تقدمها، وتعليمنا ليس استثناء بين الأمم فقد حظي بالاهتمام الرسمي والشعبي منذ عقود، فلم كانت نتائجه مغايرة لنتاج باقي الأمم، كم جربنا من خطط تطويرية حتى صار طلبتنا فئران تجارب، ومع هذا ظلت النتيجة واحدة، خريج لا يحسن الكتابة والقراءة، ولا يعرف من علوم العصر ما يؤهله لفهم عصره وإدراك متطلباته، فضلا عن التعامل معه، كيف انتهت العملية التعليمية لدينا إلى عملية تلقين مع أن هدف العلم تفتيح العقول؟
السؤال بصيغة أخرى، ما هي معضلة نظامنا التعليمي التي حالت دون تحقيق أهدافه؟ قرأت مثلكم عشرات المقالات التي تطالب الوزير الجديد بإجراء عشرات التغييرات، بعض طالب بتغيير جذري في هيكلية الوزارة وقياداتها الإدارية لتفعيل الإصلاح المنشود، بعض آخر تحدث عن المعلم والمنهج والمبنى المدرسي، فهل حقا هنا تكمن المعضلة؟ هناك خلل إداري نعم، هناك معلمون غير مؤهلين جيدا، هناك مناهج غير معدة جيدا، هناك مبان غير مجهزة جيدا، هناك طالب لا يتعلم جيدا، وهي مشاكل تكفي واحدة منها لهز أعتى نظام تعليمي في العالم فكيف إذا تجمعت. بل أزيدكم من الشعر بيوتا لتصور حجم المهمة لأجل مواجهتها، الوزارة لم يكن لها خطة استراتيجية واضحة المعالم،90% من مخرجات نظامها التعليمي لا تتوافق مع سوق العمل، و99% منها لا تتناسب مستوى وجودة مع مثيلاتها في دول أخرى، ربما مجاورة أقل منا اهتماما وإنفاقا على التعليم. تريدون المزيد! معضلة التعليم لدينا لا تحلها قدرات وزير مهما عظمت، ولا إمكانات وزارة مهما كبرت، هي تحتاج تضافر الكثير من الجهود من الكثير من الجهات للمساهمة في حلحلتها.
كل ما ذكر آنفا من مشاكل لنظامنا التعليمي لها حل، بل حلول، وطبقا لعلم الإدارة لا توجد مشكلة ليس لها حل، طالب الإدارة في سنته الجامعية الأولى، كما قلت مرارا، يتعلم تتبع تحرك المشكلة والسير معها خطوة خطوة بغية تفكيك أجزائها ليفهم طرق حلها، ولا نغفل جهود من سبق في الوزارة عبر عشرات السنين، بل أدعو هنا إلى دراسة كل ما صرح به الوزير السابق بكل شجاعة عن حقائق في وزارته. برغم كل ذلك ظلت عقبة كأداء تقف حائلا دون التنفيذ ودون التطوير، فمنذ بدايات هذا القرن الهجري تعرض نظامنا التعليمي لظلم عظيم عندما وقع ضحية صراع بين مدرستين فكريتين، الأولى تعادي العصر وعلومه وتفرق بين علوم دينية وعلوم دنيوية، وتدعوا إلى تفضيل الأولى والتضييق على الأخرى لأنها «قد» تشكك في العقيدة، ولكم أن تتصوروا حجم هذه ووساوسها، ومدرسة أخرى ترى ضرورة الانفتاح على علوم العصر لإعمار الأرض بعلوم عصرها، وتفضل علوم العصر للجموع وعلوم الدين للخاصة تمثلا وامتثالا لقوله تعالى: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون).
للأسف كانت الغلبة لأصحاب المدرسة الضيقة الأفق وكان النظام التعليمي هو الضحية علي مدار ثلاثين عاما، فرسمت خططه من غير ذوي الاختصاص، وأعيدت صياغة بعض مناهجه من قبل غير تربويين ، أو تربويين مؤدلجين، وابتسرت مناهج أخرى دونما وجه علم، بل تحولت حصص العلوم التطبيقية إلى أوقات وعظ وإرشاد أحيانا، ساء إعداد المعلمين لاختلاط المعايير واشتراط الشهادة بحسن التوجه، تضاءلت الأنشطة اللاصفية في المدرسة وتعاظمت الأنشطة الصيفية، اختفى المسرح المدرسي والمكتبة، ساد التشكيك من أناس فرضوا أنفسهم على العملية التعليمية كحراس قيم، ساد فعل خفي، سماه البعض بالمنهج الخفي، يشوه ويعرقل مشاريع التطوير والإصلاح ويقف معترضا شارع التاريخ.
معضلة بهذا الحجم وبهذا المعنى تبدو أكبر من مسؤولية وزارة واحدة، هي مسألة تنويرية تتطلب جهدا جمعيا لترسيخ مبدأ في غاية البساطة أن التعليم ليس ضد الدين، وأن لا فرق بين علم شرعي وعلم دنيوي، كلاهما مطلوب شرعا لعمارة الأرض، التعليم ليس أدلجة بل دعوة إلى التفكير، أليس الاجتهاد في الشرع هو إعمال العقل بين النص القرآني والحديث النبوي الصحيح. نحن بحاجة لإقناع فئة من الناس تظن لها شعبية بحقيقة بدهية، أن العلوم العصرية مفتاح التخلص من الاعتماد على الغير وبالذات «غير المسلم» في المأكل والمشرب والدواء والعلاج...والترفيه، وبهذا ساد مسلمونا الأوائل.
ولأنها مشكلة تراكمت آثارها عبر السنين، فإن تصحيح مسارها لن يتأتى إلا بالصبر والتدرج، والحزم أيضا، يمكن لوزارة التربية والتعليم أن تبدأ بتجديد جلدها الإداري، يمكنها تثبيت تجاربها التربوية، يمكنها العمل على إصلاح المناهج والمعلمين والمباني، والتأكد من جرعات المعرفة المقدمة للطلاب، كل هذه خطوات ضرورية ولكنها ليست كافية، الخطوة الكافية لإصلاح التعليم هي مبدأ الفصل بين التخصصات، وإبعاد المؤدلجين، فلا يعد المنهج إلا متخصص ولا يعد المعلم إلا متخصص ولا يدرس الطالب إلا متخصص، ليكن رائد الوزارة إحسان الظن بنوايا الناس فكلنا مسلمون يهمنا أمر الدين ثم الوطن، ولا نرضى بغير الإسلام دينا، وأن من يعمل في الحقل التعليمي لا يحتاج صكوك غفران من أحد تدخله الجنة.


 
إطبع هذه الصفحة