الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :العدوان الإسرائيلي بين سفينتي الحرية التركية والأمريكية
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة المدينة
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 29/06/1431
نص الخبر :
السبت 12/06/2010
أ.د. سامي سعيد حبيب
لا يزال العالم يعيش تداعيات صدمة الهجوم الإسرائيلي الوحشي الدامي على سفينة مافي مرمرة التركية قائدة ‏سفن أسطول الحرية لفك الحصار الإجرامي عن غزة بعد أن اعترضت طريقها السفن الحربية الإسرائيلية في ‏المياه الدولية ضاربة عرض الحائط بكل الأعراف والقيم والاتفاقات الدولية ، معتمدة في صلفها وغطرستها ‏على الدعم الأمريكي غير المنطقي ولا الأخلاقي لكل تهور وجنون إسرائيلي ، يوم له ما بعده والأيام و‏الليالي حبلى بالأحداث العظيمة. ‏ الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل مبني على عالم الأكاذيب التي تختلقها إسرائيل حول ذاتها لتعيش في ‏‏»واقع» خاص بها مغاير للواقع الحقيقي ، واقع ينحصر في «المعاناة» اليهودية ولا شيء سواها. وقد لا يكون ‏العدوان الإسرائيلي على سفينة الإغاثة الإنسانية مرمرة على بشاعته مفاجئاً من حيث أن إسرائل عدو ، لكن ‏إسرائيل من منطلقات معتقداتها الدينية العنصرية لا تتورع حتى عن ضرب أقرب حلفائها إن بدا لها أن في ‏ذلك تثبيتاً لصورة واقها الوهمي الخاص أمام العالم ، كما حصل ذلك بالفعل منذ 43 سنة عندما قامت ‏إسرائيل عن سبق عمدٍ وإصرار ودون أي تردد بضرب سفينة التجسس الأمريكية ( ليبريتي ) الحرية أبان ‏حرب عام 1967 م وقتلت على متنها 34 بحاراً أمريكياً وجرحت 171 آخرين ، غير أن ما هو أعجب ‏من الحادثة نفسها كان ردة فعل البيت الأبيض الأمريكي عليها والذي يمكن اختصاره في كلمتين اثنتين هي لا ‏شيء ؟! ومهما قيل عن سبب ضرب إسرائيل لسفينة ( ليبريتي) فإن السبب يظل غير مهم بجانب الإقدام ‏على الغدر بأكبر وأهم حليف لإسرائيل ، وفي ذلك الإجابة الشافية لمن يتطلعون لإدانة أمريكية للعدوان ‏الإسرائيلي على قافلة الحرية. ‏ في الأصل كانت سفينة ( ليبريتي ) ناقلة بضائع من حقبة الحرب العالمية الثانية تم تحويلها إلى سفينة تجسس ‏مجهزة بأحدث تقنيات عصرها من معدات التنصت والتجسس وجمع المعلومات ، وكانت تتميز بالقدرة ‏الآنية على إيصال المعلومات لواشنطن بواسطة الفضاء. وقد تم إرسالها على عجل في غمرة أحداث حرب ‏‏67 إلى المياه الدولية بالقرب من السواحل المصرية المطلة على سيناء لجمع المعلومات عن كافة فرقاء الحرب ‏الدائرة آن ذاك : إسرائيل ، مصر ، سوريا والأردن. ‏ قامت 8 طائرات استطلاعية إسرائيلية صبيحة الثامن من يونيو 1967 م بالتحليق فوق سفينة ( ليبريتي ) ‏الأمريكية والتي كانت تحمل علماً أمريكياً عملاقاً للتعريف بذاتها ، وفي تمام الساعة الثانية ظهراً من نفس ‏اليوم تلقت السفينة موجات متتابعة ولمدة 20 دقيقة من المقاتلات الإسرائيلية بالصواريخ وقنابل النابال و‏كان القصف مركزاً على هوائيات السفينة ومواضع الإلكترونيات فيها ، وفي الثانية والنصف ظهراً هاجمت ‏القوارب الإسرائيلية السفينة ( ليبريتي ) بثلاث طوربيدات بهدف تدمير ما بقي عليها من أجهزة التنصت و‏إغراقها ، كما أجهزت القوارب الإسرائيلية بدم بارد على العديد من البحارة الأمريكيين الذين كانوا يحاولون ‏إطفاء حرائق السفينة. لكنّ العجب العجاب كان أوامر البيت الأبيض بإحباط مهمة الإنقاذ من قبل عدد من ‏حاملات الطائرات الأمريكية العاملة بالأسطول السادس الأمريكي وهي في طريقها لمساعدة السفينة (ليبريتي)؟؟؟!!! ‏بررت إسرائيل عدونها الوحشي بأنه خطأً وأنها خلطت بين سفينة ( ليبريتي ) وبين سفينة مصرية ، وبالطبع ‏لم تكن الحادثة إلا عن سابق عمد وإصرار وبأوامر مباشرة من وزير الدفاع الإسرائيلي حينها موشية ديان ، ‏بدليل أن إسرائيل قامت لاحقاً بسجن عدد من طياريها لمدة 18 سنة لرفضهم مهاجمة السفينة ( ليبريتي ) ‏لكونها تابعة لأهم حليف وأعظم داعم لإسرائيل منذ تأسيسها ، وقبل كل من البيت الأبيض والكونغرس ‏الأمريكي بالتبريرات الإسرائيلية بكل بساطة وقبلت أمريكا في صمت مخزٍ بتعويضات قدرها 6 ملايين دولار ‏أمريكي وأقفل ملف السفينة ليبريتي بتكتم شديد ، وبمهاجمة الإعلام الصهيوني لكل من سولت له نفسه ‏محاولة فتح الملف ووصمته بأنه معاد للسامية وموال للعرب. لكن بعض جوانب الفضيحة تكشف لاحقاً في ‏كتاب نشره رجل الاستخبارات الأمريكية «جيمس بامفورد» عام 2001م تحت اسم ( كتلة الأسرار ) و‏جاء فيه أن ما لا تعلمه إسرائيل بشأن الحادثة كان وجود طائرة تجسس أمريكية من طراز إي سي-121 على ‏ارتفاعات شاهقة فوق الموقع وأنها قد سجلت الحدث بكامله إلكترونياً بما في ذلك كل الإثباتات الدامغة التي ‏تؤكد أن إسرائيل كانت تعلم علم اليقين أنها تهاجم سفينة أمريكية. ‏ السبب الذي دفع إسرائيل لمهاجمة وتدمير السفينة ( ليبريتي ) كان محاولة طمس الحقيقة وترويج الأكاذيب ‏الإسرائيلية بشأن سبب نشوب حرب 67 ، والتعمية على ما قد تنقله سفينة التجسس من معلومات تدحض ‏المزاعم الإسرائيلية بالدفاع عن النفس وأن مصر هي من قامت بمهاجمة إسرائيل أولاً ، بينما الحقيقة هي أن ‏إسرائيل قد شنت تلك الحرب العدوانية بتخطيط سابق وتنفيذ مفاجئ بهدف احتلال المزيد من الأراضي ‏العربية في سيناء والجولان والضفة الغربية والأردن. ‏لا يضر بإسرائيل شيء كمثل تقويض الأكاذيب التي تبرر بها أفعالها الإجرامية حول العالم ، وقد أفلحت سفينة ‏الحرية التركية في ذلك بشكل غير مسبوق ، بينما أخفقت الولايات المتحدة تاريخياً بسبب التوازنات الداخلية ‏للسياسة الأمريكية في الانتصار لنفسها من غدر «حليفتها» إسرائيل فكيف يمكن أن يتصور أنها تنتصر لغيرها ، ‏وفاقد الشيء لا يعطيه. يظهر جلياً أن الأدوار القادمة لهزيمة إسرائيل ستتمحور حول الفضح العملي للواقع ‏الدجلي الذي تود إسرائيل أن توهم به العالم ، وأن من سيضطلع بذلك الشرف العظيم والله أعلم هم ‏شعوب المنطقة العربية الإسلامية بتحركات عملية ذكية رسمت طريقها أحداث سفينة الحرية التركية وليس ‏سفينة الحرية الأمريكية ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ‏

 
إطبع هذه الصفحة