الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :دستور
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة عكاظ
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 29/05/1431
نص الخبر :
سأبدأ هذا المقال بتقديم مجموعة اعتذارات: في مقال الأسبوع الماضي بعنوان «تناحة» ذكرت أن البوينج 747 تستطيع التحليق محافظة على ارتفاعها وسرعتها بربع قوة محركاتها وذلك يفتقر للدقة، والصحيح أنها تستطيع الاستغناء عن حوالى ثلاثين بالمائة من إجمالي قوة محركاتها الأربعة أثناء التحليق حسب وزنها وارتفاعها.. وفى مقال الأسبوع قبل الماضي بعنوان «ول» ذكرت أن مساحة مردم نفايات «فرش كلز» في نيويورك تبلغ مساحته 120 مليون كيلو متر مربع وهذا غير صحيح فمساحته الحقيقية هي حوالى 120 مليون متر مربع.. وأعتذر أيضا عن كتابة الجمل الطويلة التي يمكن الاستغناء عن معظمها للوصول للمعنى المطلوب وكمثال فهذه الجملة التي تقرؤها الآن تحتوى على 34 كلمة ويمكن اختصارها إلى النصف أو أقل للوصول إلى نفس المعنى.. الشاهد أن هناك نسبة لا بأس بها من تصرفاتنا اليومية التي تحتاج إلى إعادة تقويم لأنها قد تتسبب في مضايقات أو ضياع موارد غالية للآخرين.. فكر في سلوكياتنا البيئية وآثارها على الأجيال القادمة وعلى سبيل المثال فمعظم القمائم التي نتخلص منها اليوم لن تتحلل خلال سنة أو سنتين.. أو عقد أو عقدين من الزمن.. فالغالب أنها ستكون مدفونة تحت الأرض ومساهمة في تلوث التربة.. ولا ننسى تلوث الهواء الذي ننفثه يوميا من سياراتنا العملاقة وكل منها بمئات الأحصنة الهائجة وكأننا قد قررنا أن «نعسكر» سياراتنا أي أن نجعلها شبه «عسكرية» لندخل بها معارك مرورية على الطرقات بل وربما فوق الأرصفة أيضا.. وفضلا تأمل في مصير أكياس البلاستيك التي نستعمل الملايين منها يوميا.. أين ستذهب كل هذه؟ علما بأن هناك بدائل ومنها على سبيل المثال «الزنبيل» الذي كان يفي بالغرض لمئات السنين .. كيف ومتى سيتم تقويم كل هذا، وكيف سنعتذر عن كل هذا الدمار البيئي للأجيال القادمة؟.
ولكن هناك ما هو أهم من كل هذا، فماذا عن الدول التي عانت من الاستعمار لسنوات طويلة؟ مصر، وحضرموت، وماليزيا، وأندونيسيا، والهند، وقبرص، وكينيا، وجنوب أفريقيا، وغانا؟ ولا ننسى طبعا أن الاستعمار كانت له أنشطة وذيول كبيرة ساهمت في تأخر نمو تلك الدول، بل وفي سلب العديد من مواردها وأهمها الموارد البشرية التي ذهب العديد منها كضحايا للأطماع العجيبة.. طبعا كل هذا في واد وفلسطين في واد آخر.. كانت البدايات سيئة في الحملات الصليبية المتتالية بدءا بعام 1099م حيث توالت الانتهاكات ضد أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وبقت الأطماع إلى يومنا هذا كما نراها في الممارسات الصهيونية.. كيف ومتى سيعتذر العالم عن مشاركته أو سكوته عن هذه الممارسات التاريخية المخجلة.
أمنيـــة
الاعتذار والتراجع عن الخطأ يميز البشر عن الكائنات الأقل شأنا، وكلمة «دستور» كانت تستخدم عند طلب المرور أثناء ركوب الحمير أو ما شبهها أعزكم الله.. يعنى مثل «إكسكيوز مي» Excuse Me أو «باردون» Pardon ولا مؤاخذه.. وعلى هذه السيرة نجد أن بعض الدول التي تسببت في الدمار قد حرصت في السابق على إعادة بناء ما تم تدميره في الحروب، وخطة مارشال لإعادة إعمار أوروبا والتي تم تفعيلها في الفترة 1947 إلى 1952 كانت خير مثال على ذلك.. ولكن تاريخ القدس يحتوي على أمثلة أفضل من خطة «مارشال»، فخلال القرن التاسع عشر عندما صعدت الدول الأوروبية فرض نفوذها على بيت المقدس، قامت ببناء المستشفيات، والمدارس كجزء أساسي من آلية الصراع لترسيخ أقدامها علما أن بعضها لا تزال موجودة إلى الآن.. كيف ستعتذر الصهيونية عن التجاوزات اليومية ضد الإنسان والأرض في فلسطين؟.. أتمنى أن نرى ذلك أثناء حياتنا، علما بأن معظمنا لن يقبل به.. كلمة «دستور» لا تضمن حق المرور مهما كان حجم الدابة.
والله من وراء القصد.

 
إطبع هذه الصفحة