الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :"قياس" بين مقصلة التربية والتعليم العالي!
الجهة المعنية :التعليم العالي
المصدر : جريدة الوطن
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 29/04/1431
نص الخبر :

محمد المسعودي 
إن أحجية الوجود القَبْلِي للبيضة أم الدجاجة شغلت حيزاً جدليا في الفلسفة قديمها وحديثها، وكذلك الإجابة عنها لا تمثل إلا فرضيات أو استنتاجات مسبقة لا يدعمها ولا يقوضها المنطق والعلم.
تعليمنا اليوم مازال يعيش تلك الأحجية بين التعليم العام والعالي، وأيهما الحلقة الأضعف في تدني مخرجات التعليم، فالتعليم العالي يشكو مخرجات ومستوى طلاب التعليم العام، وأنهم يمثلون ضعفاً يعيق مخرجاتهم، وبالتالي يجدون أنهم مطالبون بعمل وجهود خارقة لمساواة ورفع تعليم وتعلم الطالب ليتدرج لمستويات وأنظمة التعليم العالي لمواكبة الرؤية المستقبلية للتعليم قبل الجامعي التي تنبع من إيمان عميق بأن تحقيق أهداف التعليم في هذه المرحلة يعد استثماراً حقيقياً للمستقبل.
ثم يأتي دور التعليم العام ليلقي ذرائعه وأعباءه بثقل على التعليم العالي، بدءاً من ضعف تأهيل المعلمين والتربويين الخريجين من جامعات التعليم العالي بصفة عامة، مروراً بقناعة عدم تأهيل جامعاتنا لإنجاز المهام المنوطة بها التي تدير بها عجلة التعليم، إضافة إلى برامج وخطط ركيكة، ومقررات تربوية وتعليمية مستهلكة وغير ناضجة لبناء وتأهيل كوادر قادرة على استيعاب هذا العصر وظروفه، بل حتى لمواكبة سوق واحتياجات العمل.
تبادل الاتهامات ودائرة المبرر ثقافة نعيشها في كل مجالات الحياة، ولكن ما أصعب أن ندفع ثمنها وأجيالنا في مجال التعليم، وبنظرة داخلية في بيت التعليم العام نجد الاتهامات أيضاً متبادلة ومتشعبة بين كل مرحلة تعليمية وأخرى، فالمرحلة الثانوية بإدارتها ومعلميها ومقرراتها تشكو مخرجات المرحلة المتوسطة والتي تنتقل هي أيضاً بدور الاستلام بإلقاء اللوم على مخرجات المرحلة الابتدائية، لتنتج كل مرحلة عيوب الأخرى والمحصلة النهائية ندبٌ لضعف مخرجات التعليم.
وداخل الجامعة والمدرسة يلتقيان بالتوازي وبنقطة تشابك أصابع الاتهام نحو المجتمع والأسرة متذمرين من المؤسسة التعليمية بأسرها، ومشهد آخر يلقي اللوم على الطالب وولي الأمر من قبل أساتذة الجامعة والمعلمين...، حتى يصل تناولاً لإدارات تقليدية، وميزانيات مهدرة، ودوامة لا تنتهي من كتل التبريرات المملة، والمحصلة هي الطالب ومستقبله بل الوطن وحضارته.
ودليل قاس على فجوة المخرجات والعلاقة بين الوزارتين وضعت وزارة التربية والتعليم ضوابط لترشيح المعلمين الجدد عن طريق اختبار الكفاءات الأساسية للمعلمين ولعل ما كشفته النتائج هذا العام من إخفاق نحو 14 ألف ومئتي جامعي بتدني مستوياتهم وبنسبة 42 % من عدد المتقدمين، وذلك ليس غريباً في ظل عزلة وزارة التعليم العالي ممثلةً في كليات التربية التي تعد المعلمين والمعلمات للميدان التربوي والتي هي أصلاً ليست جزءاً من القرارات التربوية لوزارة التربية والتعليم.
وفي التعليم العالي تم إقرار الجامعات لقبول طلاب المرحلة الثانوية تحت محك نظام المعدل التراكمي واختبارات التحصيل والقدرات، والنتيجة المغالاة في قبول الطلاب في الجامعات بل (فلترتهم) من جديد بإضافة السنة التحضيرية لتأهيلهم مجدداً!
تعليمنا اليوم به أطياف واسعة, وفيه جامعات متزايدة العدد في ظل مسيرة التنمية الحديثة، ولكن سمتها البارزة أنها جامعات تعليم فقط لا تعتمد مواكبةً التعليم التطبيقي أو التدريب المهني الاحترافي ناهيكم عن البحث العلمي الذي يقاس به نضج الشعوب وبناء حضاراتها الذي حان تفعيله بين الوزارتين في ظل مشاريع التطوير التي تتجه في طريق أحادي الاتجاه بديلاً عن الشراكة، وبتشجيع للوحدات ذات الطابع الخاص ومراكز الدراسات المستقبلية بتشجيع الانفتاح بينهما لخدمة مشروع الطالب في التربية والتعليم، والمعلم المتدرب المؤهل في التعليم العالي.
فلابد من العودة للأسباب الحقيقية ومعالجتها بدلاً من تركها تتراكم وندفع الثمن من خزانة الدولة ومن أعمار أبنائنا وبمخرجات لاتتناسب مع سوق العمل، لذلك وجب الآن تصحيح سريع في عصرنا (الذهبي) بعيداً عن المكابرة ونظرات الازدراء الفوقية والمغالاة وموجات التعصب، ولابد من "توأمة" التعليم العام والعالي - وليس دمجهما - لتحسين دافعية التعلم ونتائجه بدعم متبادل إيجابي وبروح فريق عمل واحد بين الوزارتين ومنسوبيهما، لخلق بيئة تعاونية تحسن إنتاجية الطلاب والمعلمين والعاملين بعلاقة شفافة يشارك بها الجميع، فقد حان أن نجعل التعليم شراكة.
أما البيضة والدجاجة وأي الوزارتين هي الحلقة الأضعف في مخرجات التعليم، فجواب ذلك لا يهمنا، بقدر أننا نستطيع الاستفادة من وجودهما وتوأمة العلاقة بينهما، بدلاً من أن نتفرج حسرًة على تعليمنا بفرعيه!


 
إطبع هذه الصفحة