الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :أزمة خرِّيج سعودي مُعاصِر
الجهة المعنية :التعليم العالي
المصدر : جريدة اليوم
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 28/04/1431
نص الخبر :

خالد سالم السالم

بعد نيله بكالوريوس الآداب من إحدى الجامعات المحلية، وجد «أحمد» نفسه في الشارع وجهاً لوجه حائراً أمام مستقبله، غارقاً في خِضمِّ موج عاتٍ من الأسئلة المتلاطمة المتعلقة بحياته وعمله ومصيره، دون إجابات شافية ترسم له رؤية واضحة لقادم أيامه.
فُرَصهُ للعمل مُعلِّماً تكاد تكون مستحيلة، على الأقل في المستقبل القريب، فآلاف الخريجين من أمثاله ينتظرون من سنوات مضت، ولم تلح لهم بارقة أمل لتعيينهم في وظائف رسمية، أي أن عليه الانتظار عدة سنوات على أمل أن يتم تعيينه مُعلِّماً في أي مكان، حتى لو في قرية نائية تبعد عن منزل أهله في العاصمة آلاف الأميال.
توجه أحمد للقطاع الخاص، فلم يجد في التدريس في المدارس الخاصة أمراً مغرياً. عرضت عليه إحدى المدارس الأهلية 1400 ريال راتباً شهرياً، وأكثرها سخاءً لامس سقف الـ 1700 ريال. تَجاهَلهَا كلها، لتجاهُلِها أبسط أساسيات الحياة.. وهل ستفتح الـ 1700 ريال بيتاً في الرياض!
توجه بعد ذلك إلى شركات تجارية وصناعية وخدمية، فلم يلتفت إليه أحد، لعدم تلاؤم مؤهله ومهاراته لما هو مطلوب في سوق العمل. مؤسسة تجارية عرضت عليه العمل براتب 1500 ريال كمأمور سنترال، أو بائع في متجر، بدوام يمتد إلى 12 ساعة! إحدى شركات التجزئة الانتهازية، والتي تفاخر بالسعودة ليل نهار، عرضت عليه العمل لديها أمين صندوق (كاشير)، لكن عليه قبل ذلك أن يدخل «معهدها التدريبي» ليتدرب لمدة سنتين مقابل مكافأة 800 ريال شهرياً، ويُوظَّف بعد ذلك براتب 2000 ريال لعدد مشروط من السنين، وإن انسحب خلال مدة الدورة أو العمل لاحقاً، لأي سبب كان، فعليه دفع كل ما استلمه من مكافآت سابقة!
على الصعيد الشخصي، يبدو لأحمد أن حلم «سلمى» الذي يراوده دائماً، أصبح هو الآخر مستحيلاً.. هكذا أسرَّ في نفسه ذات يأس فاتِك. سلمى، ابنة خالهِ، خطبها قبل تخرجه بسنتين، وما زالت تنتظره، بينما هو ما زال ينتظر الإجابات المتعلقة بمستقبله. أسئلة حائرة في عقله وروحه لا تجد إلا اليأس رفيقاً؛ «كيف أتزوج؟ من أين لي المال لتأمين مصاريف الحياة الزوجية؟ وهَبْ مثلاً أني وجدْتُ وظيفة عاجلة بأربعة آلاف ريال، وهو شيء أشبه بالمستحيل، فماذا سيصنع لي هذا المبلغ؟ نصفه سيذهب لإيجار الشقة، وألف لقسط السيارة، وستكفي ماذا الألف اليتيمة المتبقية؟ هل ستفي بمصاريف الأكل واحتياجات البيت؟ أم بفواتير الكهرباء والهاتف وباقي الخدمات؟ أم بمصاريف صيانة السيارة؟ أم بماذا!! الأجدر بي أن أتوقف عن التفكير! يبدو أن حلم سلمى تبخَّر. الضغوط تكالبت عليّ، من أهلها وأهلي، ومن فقري، وحاجتي لوظيفة تعينني على فتح بيت يضمني وسلمى».
تخيَّل شعور شاب يبحث عن فرصة عمل في أي مكان بما يقارب 4000 ريال، أو أدنى من ذلك قليلاً، ولا يجدها، ثم يصل إلى علمه أن قريباً له، متخرج من نفس جامعته ونفس تخصصه الأكاديمي قبل بضع سنوات، يعمل موظفاً في إحدى الهيئات العامة المستحدَثَة، ويتسلم راتباً شهرياً يفوق الـ 60 ألف ريال! شعور لا يمكنني وصفه، أو حتى التجرؤ على الدخول في دهاليزه.
ماذا تعني الحياة لشاب ظل طيلة 16 سنة يدرس من أجل تحقيق ذاته واستقلاله المادي من خلال وظيفة جيِّدة، ثم يطول به الوقت عاطلاً، جالساً على عتبة اليأس، يرتقب أية فرصة شاردة، ثم لا يجد أي عمل مناسب؟ شعور قاسٍ يمتزج فيه الإحساس بضيق ذات اليد، بالمرارة والحزن واليأس. خلطة شعورية مريرة قد تقود أي شاب عادي إلى الانحراف، أو الانتحار، أو الإدمان، أو التطرف، إذا لم يمتلك رصيداً إيمانياً كافياً ووعياً عالياً.
اللهم يا حي يا رحمن.. ثبتنا بالإيمان.
khalid.alsalem@gmail.com


 
إطبع هذه الصفحة