أواصل حديثي اليوم عما بدأته منذ أسبوعين تقريبا على صفحات "الوطن" تحت عنوان "التغير المناخي وشفافية البحث العلمي" وكنت أود أن أوضح ما آلت إليه قضية الدكتور جون فل رئيس وحدة المناخ في جامعة East Anglia التي تعتبر من أهم المراكز العالمية لدراسة التغير المناخي لكوكب الأرض, والذي اتهم فيها بتلاعب وتزوير معطيات علمية عن ظاهرة التغير المناخي, ولن أتعرض لهذا الموضوع حتى تظهر نتائج التحقيقات النهائية مع الدكتور فل, فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته!
وأعود اليوم لأنهي ما بدأته فقد ذكرت أن ظاهرة التغير المناخي ظاهرة طبيعية حميدة وجدت على سطح كوكبنا منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها أي قبل وجود الإنسان نفسه! فهي التي تملأ سماء وبحار ومحيطات وقارات كوكبنا الأزرق بالدفء اللازم لاستمرار الحياة وقد ذكرت أنه بدون هذه الظاهرة لن تقوم قائمة لجميع صور الحياة على كوكبنا الأزرق, فسبحان الله فيما خلق! وقد أرجعت حدوث ظاهرة الاحتباس الحراري إلى ثلاثة عوامل طبيعية أوضحت منها عاملين, العامل الأول أوضحته في العلاقة الطردية بين البقع الشمسية التي تظهر على سطح الشمس وبين ارتفاع درجة حرارة الأرض, أما العامل الثاني فهو الغازات الحبيسة المتصاعدة من مصادرها الطبيعة مثل الغازات المنبعثة من البراكين.
واليوم سأقوم بتوضيح العامل الثالث, والذي أوضحه عالم الفلك الصربي(1879-Milankovitch) (1958) وفيما يعرف بدورات ميلانكوفتش وهي ثلاث دورات تتعرض لها الكرة الأرضية على فترات زمنية طويلة يحدد حدوث هذه الدورات موقع كوكب الأرض بالنسبة للشمس الأمر الذي يحدث تغيرا واضحا في كمية الحرارة الساقطة من الشمس على سطح الأرض وهذه التغيرات يتبعها تغيرات كبيرة في مناخ الكرة الأرضية, من ارتفاع قياسي في درجة حرارة كوكب الأرض أو من جهة أخرى انخفاض قياسي لدرجة حرارة الأرض قد يؤدي إلى حدوث ما يعرف بالعصور الجليدية وهذه الدورات كتالي:
الدورة الأولى وهي تحدث على سطح الأرض كل 100 ألف عام وتعرف باسم Eccentricity ويرمز لها بالرمز (e) وهي توضح الشكل الذي يكون عليه مدار الأرض Orbit حول الشمس فعندما يكون شكل المدار دائريا تقريبا تكون قيمة e قريبة من قيمة صفر وفي هذه الحالة تكون الأرض قريبة نسبيا من الشمس Perihelion مما يتسبب في رفع درجة حرارة الأرض وحدوث ظاهرة الاحتباس الحراري ومن جهة أخرى عندما تكون قيمة e قريبة من قيمة (1) يكون المدار أكثر تطاولاً أي أكثر إهليلجية, وعندها تكون الأرض أبعد ما تكون نسبيا عن الشمس Aphelion عندها تزداد برودة الأرض زيادة كبيرة مما يتسبب في تكوين العصور الجليدية. ومما هو جدير بالذكر أن أقل قيمة تصل إليها e هي 0.0005 وهي القيمة التي تحدث عندها العصور الجليدية, أما أكبر قيمة تصل إليها e فهي 0.0607 وعندها تكون درجة حرارة الأرض أقصى ما تكون. المرحلة الزمنية بين هاتين المرحلتين تقدر بحوالي 100 ألف عام, ومن الجدير ذكره أن قيم e في عصرنا الحالي هي 0.0607.
الدورة الثانية وتعرف باسم Obliquity وتفسر هذه الدورة على أنها تغير في ميل محور الأرض على مستوى الفلك الذي تدور فيه الأرض وهذا التغير في قيم زاوية الميل يتراوح ما بين 22.1 درجة إلى 24.5 درجة وهذه الدورة تحدث كل 40 ألف سنة يحدث خلالها الكثير من التغيرات المناخية على سطح الأرض, قيمة هذا الميل في عصرنا الحالي هو 23.5 درجة.
أما الدورة الثالثة فتعرف باسم Precession أي التقدم الفصلي ويحدث فيها بطء في حركة دوران الأرض مما يجعلها تترنح Wobble تماما مثل المدوان (الموزويقة) عندما تضعف قوتها فتترنح ذات الشمال وذات اليمين ونفس الأمر يحدث للكرة الأرضية عندما تقل سرعة دورانها (لا يسع المقال لسرد هذا الموضوع) وخلال هذه الفترة تنعكس فصول السنة عما هي عليه الآن فبدلا من حدوث فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي في شهري ديسمبر ويناير يحدث فصل الشتاء في شهر يوليو وأغسطس والعكس صحيح بالنسبة لنصف الكرة الجنوبي وهذه الدورة تحدث كل 13 ألف سنة ونحن قريبون جدا من هذه المرحلة ! وهذا التغير يتسبب بدون شك في حدوث تغيرات مناخية متطرفة على سطح كوكب الأرض.
وعندما نشر ميلانكوفتش نظريته شكك الكثير في صحة هذه النظرية, إلى أن أقام خبراء في علم المناخ نهاية القرن الماضي بدراسة نظائر الأكسجين المشع في بعض الأحافير البحرية المختلفة لفترات زمنية سحيقة, وكذلك من خلال مجسات أخذت من التراكمات الجليدية في القطب الشمالي والجنوبي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك صدق نظرية ميلان`كوفتش, ومن ذلك نرى أن دور الإنسان في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري قد يكون هامشيا تماما ولكن قبل تبرئة الإنسان من المساهمة في حدوث ظاهرة التغير المناخي علينا انتظار نتائج التحقيقات النهائية لرئيس وحدة المناخ الدكتور جون فل فإن ثبتت براءته فهذا يعني أن للإنسان دورا في تفاقم ظاهرة التغير المناخي, أما في حالة إدانة الدكتور جون فل فلكل مقام مقال.