الانتقال الى المحتوى الأساسي

جامعة الملك عبدالعزيز

KING ABDULAZIZ UNIVERSITY

الملف الصحفي


عنوان الخبر :الشماتة
الجهة المعنية :مقالات أعضاء هيئة التدريس
المصدر : جريدة عكاظ
رابط الخبر : أضغط هنا
تاريخ الخبر : 30/05/1431
نص الخبر :
لم يكن يشارك في الحديث إطلاقا على غير عادته، فهو رجل عرف بمداخلاته الحكيمة، وقفشاته الذكية، سألته هامسا في أذنه، ما بالك اليوم على غير عادتك، أرجو ألا يكون هناك ما يكدرك، قال: قبل أن آتيكم حصل أمامي موقف آلمني، فأنا لي أخوان اثنان كما تعلم، أحدهما أكبر مني والآخر أصغر، وللكبير فضل على الجميع، إذ بعد وفاة والدنا كان هو من تحمل مسؤولية العائلة كاملة؛ بدءا من الوالدة وانتهاء بأصغر أخواتي، ومع صغر سنه حيث لم يكن وقتها يتجاوز السابعة عشرة، كافح وعمل وترك دراسته التي عاد إليها بعد ذلك بأربع سنوات، ونجح بتوفيق الله في أن يحافظ علينا جميعا من غائلات الزمن، بل إنه وقف لأحد أعمامي الجشعين ومنعه من أكل حقنا في ميراث الوالد على الرغم من قلته، فلم يكن أكثر من بيت شعبي يؤوينا، قام بتربيتنا جميعا، وأشرف على زواجنا جميعا، وكان ولا يزال الأب الحقيقي لنا جميعا، ولا أنكر أنه كان من شدة حرصه على أخي الأصغر دائم المتابعة له، وازدادت ملاحقته له بسبب شقاوة هذا الأخ فلم يكن منضبطا من الناحية الأخلاقية في شبابه، وفي كل مرة كان يصنع علاقة مع فتاة ويكتشفها أخي الكبير كانت تنتهي الأمور بمشاجرة بينهما، لقناعة أخي الكبير أن من يلعب بعواطف بنات الناس يرتكب إثما مبينا، والحق يقال، أنه كان يحضه على الزواج، إلا أن هذا الأخير كان في معظم الأحيان غير جاد في مثل هذه العلاقات وكان هذا مؤلما جدا للكبير، وكان في كل مرة يكتشف فيها علاقة مع فتاة كان يعرض عليه أن يزوجه منها، إلا أن الأصغر لم يكن جادا، حتى جاءت اللحظة التي طلب من أمي أن تخطب له فتاة بعينها، وعلى الرغم من اعتراض الكبير على الفتاة بسبب سوء سمعة أسرتها إلا أنه وافق من منطلق المثل الشعبي: «الحجر من الأرض والدم من رأسه»، وتزوج وصدقت كل توقعات أخي الأكبر، ومع ذلك لم يلمه ولم يعاتبه، ومع كل هذا المعروف سمعت ورأيت اليوم في المستشفى ما آلمني وأحزنني، لقد سمعت من أخي الأصغر كلاما ينم عن شماتة في أخيه الكبير، لقد كان يقول: أخيرا حقق لي ربي ما تمنيت، قلت وما الذي تمنيته؟ قال: إن أرى هذا المارد كسيحا في السرير، كي يدرك أن لا وجود للقوي طوال الوقت، لقد هده الله أخيرا وبات عاجزا، هل تعلم يا دكتور أني بكيت حين سمعت هذا الكلام؟ كيف سمح لنفسه أن يشمت من أخيه الذي رباه ووقف إلى جانبه وجانبنا جميعا؟ قلت: هذا حال بعض بني آدم، ينسون أن الشماتة أمر مكروه، فقد قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: «لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك»، كما أن الشماتة تحمل في طياتها عدوانا وتشف وهي في مجملها نوع من المكر السيئ الذي لا يحيق إلا بأهله، وهي تولد لدى من يتم التشفي منه نوعا من الشعور بالحزن على الذات وفي الوقت نفسه شعور بالضعف، لذا نجد في قصة موسى مع هارون كل هذه المعاني: «ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين»، قلت كان حريا بأخيك أن يتذكر قول المصطفى عليه الصلاة والسلام: «ارحموا عزيز قوم ذل، وغني قوم افتقر، وعالما بين الأقوام الجهال لا يعرفون حقه».

 
إطبع هذه الصفحة